• لا يمكن تحميل الملفات المرفقة الا بعد الرد على الموضوع

خطب الجمعة والمناسبات

إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الخطبة الاولى
الحَمْدُ للهِ العليمِ الخَبيرِ، خَلَقَ الإِنْسانَ في أَبْدَعِ تَصويرٍ، وأمرَهُ بحُسْنِ التَّدبيرِ والتَّفكيرِ، سبحانهُ نَصَبَ آياتِهِ على وَحدانِيَّتِهِ دليلاً، ((رَبُّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً))(1)، نَحمدُه تعالى كما ينبغي لِجلالِ وَجْهِهِ وعظيمِ سُلطانهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وصفيُّهُ من خلْقهِ وخليلُه، كانَ صَمْتُهُ فِكْراً ونَظَرُهُ عِبْرةً، صلى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، ومَنْ سارَ على دَرْبِهِ واقتفَى أثرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فأُوصيكم ونَفْسِي –عبادَ اللهِ- بتقوى الله، والعملِ بما فيهِ رضاهُ، فاتَّقوا الله وراقبوهُ، وامتثلوا أوامِرَهُ ولا تَعصوه، واعلموا -رحمكم اللهُ تعالى- أنَّ القُرآنَ الكريمَ وَجَّهَ العقلَ البَشَرِيَّ إلى النَّظَرِ في مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأَرْضِ؛ لِيَكْشِفَ حَقَائِقَ الوُجودِ، ويَرسُمَ الصُّورةَ الحيَّةَ لِعِبادَةِ الوَاحدِ المَعبُودِ، ويَرفَعَ الحُجُبَ عَنْ أَسْرارِ الكَونِ وعَجائبهِ، ويَتبيَّنَ آياتِ اللهِ في الأَنْفُسِ والآفاقِ؛ تَحقيقاً لِقَولِ المُبدعِ الخَلاَّقِ: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))(2)، وكُلَّما عَظُمَ شأنُ الكَونِ المَخلوقِ في أعيُنِ النَّاسِ عَظُمَ شأنُ خالقهِ المُبدعِ سُبحانهُ، ووَجَدَ الإيمانُ الرَّاسخُ طريقَهُ إلى القلوبِ النَّقيَّةِ الطَّاهرةِ، يقولُ اللهُ تعالى: ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ))(3)، لذا كان القرآنُ الكريمُ يُوجِّهُ الناسَ إلى النَّظَرِ في ملكوتِ السماواتِ والأرضِ، فتارةً يُوجِّهُهُم إلى النَّظَرِ الحِسِّيِّ البسيطِ الذي يَستطيعُ القيامَ به كُلُّ فردٍ مَهما كانتْ دَرَجةُ ثقافتِه، يقولُ اللهُ تعالى: ((أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ))(4)، بينما يُوجِّهُهُم تارةً أُخرى إلى النَّظَرِ العميقِ المُتأنِّي فيقول: ((وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ))(5).
أيُّها المُؤمنُون:
إنَّ مِنْ أعظمِ الآياتِ الدالَّةِ على وجودِ الخالقِ، القاطعةِ على وَحدانِيَّةِ الرَّازقِ، هذا الإنسانَ العجيبَ في خَلْقِهِ، السويَّ في تَصوِيرهِ ونُطْقِهِ، ولمَّا كانَ أَقْرَبُ الأشياءِ إلى الإنسانِ نفسَهُ، دعاهُ خالِقُهُ إلى التَّبَصُّرِ والتَّفكُّرِ فيها فقالَ: ((وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)) (6) ، نَعَمْ.. إنَّ الإنسانَ إذا تأمّلَ في تركيبِ بَدَنِهِ، والتَّنَاسُقِ بينَ أعضاءِ جَسَدهِ، وكيفَ أنَّ اللهَ اختارَ أنْ يكونَ كلُّ عُضْوٍ في مَحلِّهِ الذي يُناسِبُه، لِيُؤدِّيَ وَظِيفَتَهُ المُناطَةَ بهِ، لَوَجَدَ ما تَتَحيَّرُ فيهِ الأَذْهَانُ، وتَتَيهُ على مَرِّ العُصُورِ والأَزْمَانِ، وكذلِكَ إذا نَظرَ في حالِ ابتداءِ خِلْقتِهِ ثم تَنقُّلِهِ مِنْ طَوْرٍ إلى طَوْرٍ، وما أودَعَ اللهُ في باطنِهِ وظاهرِهِ مِنْ عجائبِ الفِطَرِ وبدائعِ الخَلْقِ، وحَسْبُكُم ما كرَّمَ اللهُ بهِ الجِنْسَ البَشَريَّ مِنَ العُقُولِ والقُلوبِ، والألسُنِ والنُّطْقِ وأنواعِ مخارجِ الحُرُوفِ، وما في اختلافِ تَركِيبِ هذهِ النُّفُوسِ وترتيبِها ولَطَائفِها مِنَ الآياتِ السَّاطعةِ والبَيِّناتِ القاطعةِ على عَظَمَةِ الخالقِ جلَّ وعلا، إنَّهُ لَدلِيلٌ صادقٌ، وبُرهانٌ ناطقٌ على عَظِيمِ قُدْرَةِ رَبِّ العالَمينَ، فَتَباركَ اللهُ أَحْسَنُ الخالقينَ.
عبادَ الله :
لقد أطالَ القرآنُ الكريمُ الحديثَ عَنِ الإنسانِ في أصلِ وجودهِ، وفي تَطَوُّرِ خَلْقهِ في بَطْنِ أُمِّهِ، بلْ وفي خصائصِهِ وما يتميّزُ بهِ عَنْ سائرِ المخلوقاتِ، بالإجمالِ تَارةً وبالتَّفْصيلِ تارةً أخرى، يقولُ اللهُ تعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ))(7)، وعندما أرادَ القرآنُ تأكيدَ عقيدةِ البَعْثِ والرَّدَّ على الشَّاكِّينَ فيها استدلَّ بِتَطَوُّرِ مَراحِلِ خَلْقِ الإنسانِ فقال سُبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ))(8)، ومَعْ وِحْدَةِ مَبْدَإِ كُلِّ إنسانٍ مِنْ حيثُ الخِلْقةُ، فقدْ شاءتْ إرادةُ اللهِ تعالى أنْ تَظهرَ طَبِيعةُ الاختلافِ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعاً، فَجَعَلَهُمْ مُختَلِفِينَ في العَقْلِ والتَّفكيرِ، والنُّطْقِ والتَّدبيرِ، والأُسلُوبِ والبَيانِ، واللُّغَاتِ والأَلْوانِ، يقُولُ تعالَى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِلْعَالِمِينَ))(9)، كما جَعَلَهُمْ مُختَلِفِينَ في المَواهِبِ والمَلَكَاتِ، مُتَفَاوتِينَ في الأَعْمارِ والأَرزَاقِ، وهذا يَزيدُ مِنْ تَعَلُّقِ المُؤمنِ باللهِ، ودَوامِ الصِّلَةِ بهِ جلَّ في عُلاهُ؛ إذْ يُدْرِكُ الإنسانُ بالتَّأَمُّلِ في ذَلِكَ أنَّ كلَّ فَردٍ مِنْ هذا الجِنْسِ عالَمٌ وَحْدَهُ، ومِرآةٌ يَنعكِسُ مِنْ خِلالِها هَذَا الوُجُودُ كلُّهُ، في صُورَةٍ خاصَّةٍ لاَ تَتكرّرُ أَبداً علَى مَدارِ الدُّهُورِ، ولاَ نَظِيرَ لَهُ بَيْنَ أَبناءِ جِنْسِهِ جَمِيعاً، لاَ في شَكْلِهِ ومَلامِحهِ، ولا في عَقْلِهِ ومَداركِهِ، ولا في رُوحِهِ ومَشَاعِرهِ، وما تَراهُ العُيونُ مِنْ عجائبِهِ يُشيرُ إِلَى المُغَيَّبِ المكنونِ.
أيُّهُا المُؤمنُون :
إِنَّ الإِنْسانَ عَجِيبٌ في تَكوينِهِ كُلِّه، فَحيثُما وَقْفَ الإِنْسانُ يَتأَمَّلُ عَجائِبَ نَفْسِهِ، سَطَعَتْ لَهُ أَسْرارٌ تُدهِشُ وتُحيِّرُ، في تَكْوِينِ أَعضَائِهِ وتَوزيعِها، ووَظَائفِها وطَرِيقَةِ أَدائِها، وَبِكُلِّ ما يَحملُهُ هَذَا الكَيَانُ مِنْ أَجْهِزَةٍ وأَوْرِدَةٍ، تَتَجاوبُ وتَتَعاونُ مَعْ بَعْضِها البَعْض بِانتِظَامٍ دَقيقٍ، فَلْنَقِفْ وَقْفةَ تَأَمُّلٍ وتَفكُّرٍ أَمامَ اللَّحظَةِ الَّتي يَبدأُ فيها الجَنِينُ حياتَهُ على الأَرضِ - وهُو يَنفصِلُ عَنْ أُمِّهِ ويَعتمِدُ علَى نَفْسِهِ، ويُؤْذَنُ لِقَلْبِهِ ورِئَتَيهِ بِالحَركَةِ لِبِدْءِ الحَياةِ- إِنَّ هَذهِ الوَقْفَةَ لَتَغْمُرُ النَّفْسَ بِفَيْضٍ مِنَ الإِيْمَانِ، لاَ يَقِفُ لهُ قَلْبٌ ولا يَتماسكُ لهُ وِجْدَانٌ، ووَقْفَةٌ أُخرى أمامَ اللَّحظةِ التي يَتحركُ فيها لِسانُ الوليدِ لِينطقَ بهذهِ الحُروفِ والمقاطِعِ والكَلِمَاتِ ثُمَّ العباراتِ، إنَّها عَجيبةٌ خارِقَةٌ مُذهِلةٌ، تُنبِئُ عَنِ القُدْرَةِ التي لا تَكُونُ إلاَّ بأَمْرِ الخَالِقِ جَلَّ وعَلاَ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ إذْ يَقُولُ في وَصْفِ نَفْسِه: ((الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ )) (10) ، إنَّ القُرآنَ الكريمَ بِمِثلِ هذهِ اللَّمْسَةِ الرَّفيعةِ يَرسُمُ صُورةَ خَلْقِ الإنسانِ؛ لِيَصِلَهُ بخالِقِهِ الواحدِ الدَّيَّانِ، معْ أنَّ الطِّبَّ الحَدِيثَ بآلاتِهِ الدَّقِيقةِ وأَجهزتِهِ العريقةِ قدْ اكتشفَ هذهِ الدَّقَائقَ مُؤَخَّراً، إلاَّ أنَّ القُرآنَ الكريمَ قدْ تَحدَّثَ عَنْها سَابِقاً، فقدْ خَلَقَ اللهُ تعالى الإِنْسانَ حَيّاً مُتحرِّكاً لَهُ قَصْدٌ وإرادةٌ، ولهُ نَفْسٌ تُوجِّهُهُ إمَّا إلى الخَيْرِ وإمَّا إلى الشَّرِّ، وكُلُّ عَضْوٍ مِنْ أَعضائِهِ لَهُ فِعْلٌ خاصٌ، إذَا تَعطَّّلَ نَقَصَتْ حَرَكَةُ الإِنْسانِ وأَعمالُه بِحَسَبِهِ، ألاَ وإنَّ مِنْ أَعظَمِ الأَعْضَاءِ تأثيراً على الجَسَدِ في الصَّلاَحِ والفَسَادِ القَلْبَ، يَقُولُ النَّبيُّ ( : ((ألاَ وإنَّ في الجَسَدِ مُضغةً، إذَا صلُحَتْ صَلُحَ الجَسَدُ كُلُُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّه، ألاَ وهِيَ القَلْب))، وهَذَا القَلْبُ إِنَّما يَتَأثَّرُ بالنَّفْسِ، فإِنْ كَانَتِ النَّفْسُ طَيِّبَةً زَكِيَّةً، أثَّرَتْ في القَلْبِ صلاحاً واتِّجاهاً نَحْوَ الخَيْرِ، وإنْ كانَتْ نَفْساً خَبِيثةً انحرَفَتْ بهِ نَحْوَ الشَّرِّ، ولِهذا كَانَ النَّبيُّ ( يقولُ: ((نَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا وَمِنْ سيِّئَاتِ أَعمالِنا))، ويقولُ: ((اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وقِنِي شَرَّ نَفْسي))، وفي هَذَا جَاءَ قَولُهُ تَعالى: ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي))(11)، وهَكذَا يُربِّي الإسلامُ هَذِهِ النَّفْسَ، حتَّى تُدرِكَ عَظَمَةَ الخالِقِ الذي أَبْدَعَ صُنْعَ هذا الإنسانِ، وأحسْنَ خَلْقَهُ، وهيّأهُ لِيَكُونَ خليفةً في هذهِ الأرضِ، بِطَبِيعَةٍ تَستَحِقُّ الإِعجابَ، وتُبْهِرُ العُقُولَ والأَلْبَابَ.
فاتقُوا اللهَ -عِبادَ الله-، وتَفَكَّرُوا في أنفُسِكُم، وتَأَمَّلُوا فيها وابحثُوا في أسرارِها؛ يَفْتَحِ اللهُ لكُمْ آفاقَ عِلْمِهِ وحِكْمَتِه، ويَزِدْكُم مِنْ آلائِهِ ونِعْمَتِهِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
لقدْ منحَ اللهُ الإنسانَ القُدْرةَ على فَهْمِ أسرارِ الكَونِ، فَحَرِيٌّ بهِ أنْ يَصِلَ إلى مَعْرِفَةِ أسرارِ ذاتِه، تلكَ النَّفْسُ التي وَضَعَها القُرآنُ في كَفَّةٍ مع الكُونِ كُلِّهِ بما فيهِ مِنْ عوالِمَ عندما قالَ: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)) (12) ، وإذا كانَ الإنسانُ قدْ نَجَحَ في اكتشافِ الكُونِ مِنْ حوْلِهِ فإنَّهُ مَدْعُوٌ لاكتشافِ هذهِ النَّفْسِ بما فيها مِنْ أبعاد، وبما لها من قُوىً دافعةٍ، واتجاهاتٍ مُتعدِّدةٍ في دُرُوبِ الحياةِ المُختَلِفَةِ، وقدْ قرَّرَ القرآنُ الكريمُ أصلَ خَلْقِ الإنسانِ ومراحلَ تَخلُّقِهِ ونُموِّهِ؛ لِيتَّخِذَها مَجالاً للتدبُّرِ في صُنْعِ اللهِ ومَلَكُوتِهِ، ولْنَتأمَّلِ النُّقْلةَ البعيدةَ بينَ أصْلِ الخِلْقةِ الطِّينِيِّ وتَسلسُلِ النَّسلِ البَشريِّ، فقد نشأََ الجِنْسُ الإنسانيُّ في بِدايتِهِ مِنْ سُلالةٍ مِنْ طِينٍ، قال تعالى: ((الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ))(13)، فأمَّا نشأةُ الفَردِ الإِنسانيِّ بَعْدَ ذلك فتمضي في طريقٍ آخرَ، يقولُ تعالى: ((ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ))(14)، وهنا يقفُ الإنسانُ مَدهُوشاً أمامَ ما كَشفَ عنهُ القرآنُ منْ حقيقةٍ في تكوينِ الجنينِ ومراحلِ نُمُوِّهِ لم تُعْرَفْ على وجهِ الدِّقَّةِ إلاَّ بَعْدَ تَقَدُّمِ عِلّمِ الأَجِنَّةِ، فتباركَ اللهُ أَحْسَنُ الخالقِينَ.
فاتقوا اللهَ -عبادَ الله-، وأمْعِنوا النَّظَرَ في أنفُسِكُم، فإنَّ فيها مِنَ الآياتِ العظميةِ والمواعِظِ الجليلةِ ما يَزيدُكم إيماناً باللهِ، ودلالةً على وحدانيَّتِهِ وكمالِ تدبيرِهِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (15).
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ)).

المصدر صفحة خطب الجمعة
 

zxc

إنضم
17 فبراير 2015
المشاركات
96,551
مستوى التفاعل
58
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

في موازين حسانتك اخي المسلاتي
 
إنضم
26 يوليو 2013
المشاركات
17,243
مستوى التفاعل
4
الإقامة
طرابلس
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بارك الله فيك وجزاك خيرا
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

امين
جزاكم الله خيرا
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

خطبة الجمعة عنوانها الاشهر الحرم

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الخطبة الاولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نحمدُهُ سبحانَهُ ,وتعالى ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا ند ولا مثيل له سبحانه ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ، بلغ الرسالة وأدى الامانة ونصح الامة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين ،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى هذا النبي الامى وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، اللهم آمين آمين آمين

أما بعد:
عباد الله فإني أوصيكم ونفسي الخاطئه بتقوى الله العظيم وطاعتِهِ، في السروالعلن وأحذركم وأحذر نفسي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه:
بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم:
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” ﴿102﴾ آل عمران
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ” ﴿١﴾ النساء
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ” ﴿٧١﴾ الاحزاب
عباد الله ، لقد خلق الله عز وجل الأزمنة والأوقات وفضل بعضها علي بعض

فأفضل الاوقات وقت السحر ، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل أيام الاسبوع يوم الجمعة ، وأفضل أيام العام العشر من ذى الحجة ، وأفضل أيام العشر من ذى الحجة يوم عرفة ، وأفضل الشهور عند الله سبحانه وتعالى هي اﻷشهرالحرم

قال تعالى:

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}

❄ والأشهرالحرم هي:

شهر رجب مضر الذى هو قبل شعبان وهو منفصل عن الثلاثة أشهر الحرم التالية بثلاثة أشهر

ثم شهر ذو القعدة والذى نعيش أوائل ايامه وننهل من نفحاته الآن فقد شرفنا بدخوله أول أمس الاربعاء

وذو الحجة وهو الشهر التالي له وهو ايضا شهر الحج الاكبر الذى تشد فيه الرحال الى عرفات والبيت الحرام

ورابعها شهر المحرّم الذى يلي ذو الحجة وبه ينتهي عام هجرى ليستقبل المسلمون عاما هجريا جديدا

❄ وسميت الأشهرالحرم بالحُرُم:

لعظم حرمتها ،،

وحرمة الذنب فيها ،،

فالمعصية في هذه الأشهر الحرم أعظم من المعصية في غيرها وإن كانت المعصية محرّمة في كل وقت كما أن الحسنات فيها مضاعفة.

هذا وقد حذرنا الله في كتابه العزيزفي سورة التوبة من أن نعصيه فقال سبحانه:

” إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴿٣٦﴾” التوبة

❄ وأنت الآن وقد دخل علينا ذو القعدة ثاني الأشهر الحرم ماذا تحتاج ؟؟

تحتاج أن تعلم أن الله حكيم خلق كل شيئ بحكمة وفضل الاشياء علي بعضها ايضا بحكمة:

فالله تعالى لحكمة منه اختار هذه الأشهر الحرم وميّزها وجعل لها زيادة فضل.

وإيمانك بأن الله (حكيم) يجعلك تبحث .. كيف يجب أن يكون حالي في هذا الأمر الذي اختاره الله وفضله علي غيره؟؟

وماذا يجب علي أن أفعلَ فيه لأنالَ رضا الله والفوز يوم القيامة؟؟

ولا تقل لماذا ميّز الله هذا علي هذا وما هي الحكمة في ذلك وتشغل نفسك وتضيع وقت بما لا نفع فيه ولا جدوى؟!

❄ فالعقول السليمة السوية تتعامل مع الأشياء النافعة بصورة الانتفاع وليس بصورة الاعتراض

فالواجب علينا أن نسأل ماذا نفعل ؟؟ وكيف ننتفع أكبر انتفاع ؟؟ بل وكيف أفيد الآخرين ؟؟

ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : بلغوا عني ولو آيه

وحديثه هذا لك وللامة الاسلاميه جمعاء

❄ نحن في حاجة أن نفهم مسألة هامة جدا

مسألة مضاعفة الحسنات

ومسألة تعظيم السيئات

إن الحسنات تُضاعف على حسب ما قام في قلبك،

فإن تدخل الشهر الحرام وأنت معظّم للشهر، … فتجمع مع العمل الصالح تعظيمك للشهر.

قال تعالى: ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم”

معناها:

لا تنتهكوا حرمة الشهر بالوقوع في الذنوب الكبيرة أوالصغيرة قصدا أوتساهلا بأوامر الله عز وجل.

قال تعالى:

وإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ، قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ، قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿١٢٤﴾ البقرة

وقد جاء في أول الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ..

قال الطبري: “الظلم :

العمل بمعاصي الله أى عدم كبح النفس عن شهواتها … والترك لطاعة الله ”

❄ إذن فالظلم له شقان:

ظلم للنفس بتفويت العمل الصالح في الزمن الذى فضله الله .. فهذا زمن مختلف … هذا زمن معظّم عند الله

ظلم للنفس بفعل المحرّمات في هذا الزمن الذى فضله الله … فهذا زمن معظّم عند الله

❄ أخي الحبيب المطلوب منك تحقيق أمور منها:

إلإلتزام بحدود الله

أي لا يقع منك تعدٍ لها وتركٌ لتعظيمها.

فمن أسباب موت القلب ترك تعظيم الله و تعظيم شعائره ، ولو عظّمت الله ستلزم الحدود ،

قال تعالى في سورة الحج:
” ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ” ﴿30﴾
وقال أيضا: ” ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾
الاهتمام بالفرائض
فليس المطلوب منك أن تأتي بأشياء جديدة وغريبة لتعملها ،،
بل اهتم بما فرضه الله عليك .. وأهمها الصلاة ، فهي عمود الدين، وهي فرض يتكرر عليك ..
فإتقانها مهم .. تبذل جهدك فيها ،، وتحتاج منك إلى مزيد عناية في هذا الشهر وفي غيره ..
قال تعالى في سورة البقرة:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١١٠﴾
لقد قال الله تعالى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ولم يقل ..وادوا .. أو وافعلوا أو .. واعملوا الصلاة
لأن في لفظ الاقامة دلالة على الاعتناء بالصلاة وتحقيق اركانها وشروط صحتها
فهجر الاعتناء بالصلاة أمر واضح !
وهجر إطالة السجود والانكسار والذل أمر واضح !
هجر العناية بالفاتحة وجمع القلب في (إياك نعبد وإياك نستعين) أمر واضح !
وهجر الاعتناء باستهداء الله في (اهدنا الصراط المستقيم) أمر واضح !
،،، فالاتقان في أداء الفريضة مطلوب ومعني اهتمامك بالفرائض يعني :
حضور قلبك في حضرة الله.. ذلّك وانكسارك له سبحانه .. إطالة السجود لتحقيق العبودية لله.. كل هذا مما ينفعك الله به
،،، ثم أتقن ما حولها من النوافل ..
لا تستهِن بالنوافل ؛ بل زِد إيمانك بالتشبث بأدائها والإكثار منها.
،،، ومن النوافل المتعلقة بالصلاة:
التسبيح بعدها .. وكذلك السنن الرواتب .. فحافظ عليها .
اجتناب المحارم
اجتنب كلّ ما حرّمه الله .. فالذنوب والمعاصي في الأشهر الحرم حرمتها عظيمة ، فالمعصية في هذه الأشهر أعظم من المعصية في غيرها كما أسلفنا
وعظمتها تأتي:
من جهة الذنب نفسه
ومن جهة عظمة الشهر
والوقوع في الذنوب والمعاصي له صورتان:
صورة يكون الوقوع في الذنب مرتّب له ومخطط له
وصورة يكون الوقوع في الذنب غير مرتّب له وإنما يقع كيفما وقع ..
وهذان النوعان من الذنوب لابد من اجتنابهما
أدّ الحقوق
حقوق الآباء ،، حقوق الزوجة ،، حقوق الأبناء ،، حقوق الأرحام ،، حقوق الجار ،، حقوق المسلمين عموما” .. فلا تهمل هذه الحقوق ..فإهمال الحقوق ظلمٌ وكما اشرنا فالظلم مُحرم والظلم ظلماتٌ يوم القيامة كما جاء بالحديث الشريف.
والجامع لهذا كله:
لكي لا تقع في الظلم في الأشهرالحرم أو في غيرها لابد أن تكون مستحضرا عظمة الله عز وجل معظما لشعائره
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم …



الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ،
اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى وراقبُوهُ فِي السِّرِّ والنَّجْوَى … وعظموا شعائره واتمروا بأوامره وانتهوا بنواهيه قال تعالي: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١٠﴾ الفتح
وقَالَ تَعَالَى: ” إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابِةِ الأَكْرَمِينَ، وامهات المؤمنين وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وعلينا معهم يارب العالمين.
اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ دَيْنًا إِلاَّ قَضَيْتَهُ، وَلاَ مَرِيضًا إِلاَّ شَفَيْتَهُ، وَلاَ مَيِّتًا إِلاَّ رَحِمْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً إِلاَّ قَضَيْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ لَنَا وَلِوَالدينَا، وَلِمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جَهَنَّم، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْر، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المسِيحِ الدَّجَّال، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحْيَا والممَات.
اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، انك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين
اللَّهُمَّ َأَدْخِلِ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَكل مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ بلاد المسلمين مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ.
اللهم انصر اخواننا المسلمين المستضعفين في انحاء العالم وكن لهم واحفظهم من شرور اعدائهم
اللهم تمم نصر اخواننا في فلسطين … اللهم ايدهم واجمع شملهم ووحد كلمتهم وارفع رايتهم وقوى شوكتهم ، اللهم اعنهم علي بناء ما فقدوه اللهم احفظهم رجالا ونساءا … شيوخا وشبابا واطفالا اللهم اجعلهم على عدوهم ظاهرين
اللهم أهلك اعداءهم المغتصبين المعتدين .. اللهم عليك بكل من ساندهم وكل من عاونهم، بالقول او الفعل ، من الخونة والمنافقين والافاكين والفسدة والظالمين وكل من عادى الاسلام والمسلمين … اللهم آمين .. آمين .. آمين
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ،
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ


منقول بتصرف
 
التعديل الأخير:

zxc

إنضم
17 فبراير 2015
المشاركات
96,551
مستوى التفاعل
58
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بارك الله فيك
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

امين
جزاكم الله خيرا
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات



خطبة الجمعة عنوانها مِنْ أَخلاقِـيـَّاتِ الـتـجارَةِ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الخطبة الاولى
الحَمْدُ للهِ الذِي أَحَلَّ لِعِبَادِهِ البَيْعَ والشِّرَاءَ، وجَعَلَهُما سَبَباً مِنْ أَسْبَابِ اليُسْرِ والرَّخاءِ، وطَرِيقاً مَشْروعاً لِلْرِّبْحِ والثَّراءِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَعَدَ المُيَسِّرِينَ عَلَى عِبَادِهِ ثَواباً عَظِيماً، وأَعَدَّ لِلمُنفِقينَ مَنْزِلاً عَالِياً كَرِيماً، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، تَاجَرَ فَعُرِفَ بِالصِّدقِ والأَمَانَةِ، ونَهَى عَنِ الاستِغْلاَلِ والجَشَعِ والخِيانَةِ، -صلى الله عليه وسلم- وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ تَبِعَهم مِنْ أَهلِ الإِحْسَانِ والإِعَانَةِ، صَلاَةً وسَلاَماً يَتَعاقَبَانِ تَعَاقُبَ اللَّيلِ والنَّهارِ، إِلَى أَنْ يَرِثَ الأَرْضَ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ. أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي -عِبادَ اللهِ- بِتَقْواهُ، والتَّعَرُّضِ لِعَفْوِهِ ورِضَاهُ، قَالَ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ))(1)، واعلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ وجَعَلَ حَاجَةَ بَعْضِهمْ إِلَى بَعْضٍ دَائمَةً، وتَبَادُلَ المَصَالِحِ بَينَهُمْ حَالَةً قَائمَةً، وجَعَلَ لِذَلِكَ طُرُقاً وأَسْبابَاً، ولِلْخَيْرِ أَهْلاً وطُلاَّباً، ومِمَّا شَرَعَهُ عَزَّوَجلَّ فِي ذَلِكَ التِّجَارَةُ بِالبَيْعِ والشِّرَاءِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبابِ البَرَكَةِ والنَّماءِ، أَلاَ وإِنَّ لِلتِّجارَةِ فِي الإِسلاَمِ أَخْلاَقاً وآدَاباً، ولِلْرِّبْحِ طُرُقاً مَشْروعَةً وأَبواباً، ومِنْ أَعْظَمِ مَعايِيرِها وأَخْلاَقِها، وأَجَلِّ مَبادِئها وآدابِها، السَّماحَةُ فِي الأَخْذِ والعَطاءِ، والسُّهولَةُ فِي البَيْعِ والشِّراءِ، فَعَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، سَمْحاً إِذا اشْتَرَى، سَمْحاً إِذا قَضَى، سَمْحاً إِذا اقتَضَى))، دُعاءٌ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِالرَّحْمَةِ لِمَنْ جَعَلَ السَّماحَةَ خُلُقاً أَصِيلاً مِنْ أَخْلاَقِهِ، يَتَعاطَى عَلَى أَسَاسِها مَعَ جَمِيعِ مَنْ حَولَهُ مِنْ أَهلِهِ ورِفَاقِهِ، يَعقِدُ بِها فِي البَيْعِ والشِّراءِ صَفَقاتِهِ، ويَجْعَلُها نُصْبَ عَينَيْهِ إِذَا وَفَى أَوِ استَوفَى مُستَحقَّاتِهِ، فَمَا أَرْوَعَهُ مِنْ مَنْهَجٍ يَسْعَدُ بِهِ المُتَعامِلُونَ، ويَستَرِيحُ لِنَتائجِهِ المُؤْمِنونَ، مَنْهَجٌ النَّاسُ أَحْوَجُ مَا يَكونونَ إِلَيهِ وقَدَ عَصَفَتْ بِهِم رِياحُ الغَلاَءِ، التِي لَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى بَلَدٍ دُونَ آخَرَ، ولَمْ يَسْلَمْ مِنْ لَفْحِها مُقِيمٌ أَو مُسَافِرٌ، لِمَا لِغَلاَءِ الأَسْعارِ مِنْ آثَارٍ سَيِّئَةٍ عَلَى الفَرْدِ والمُجتَمَعِ؛ حَيْثُ يَعْجَزُ الفَقَيِرُ عَنْ شِراءِ مَا لاَ غِنَى لَهُ عَنْهُ، وقَدْ يَتَحَمَّلُ آخَرونَ دُيونًا يَعْجَزونَ عَنْ أَدَائها، ولِذَلِكَ فَإِنَّ المُتأَمِّلَ فِي النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ، بَآيَاتِها القُرآنِيَّةِ وأَحَادِيثِها النَّبَوِيَّةِ، يَجِدُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ قَدْ عَالَجَتْ عِلاَجاً نَاجِعاً هَذِهِ الأَسْبابَ، لِتَبقَى الأُمَّةُ هَانِئَةً مُطْمَئنَّةً عَلَى رِزقِها وقُوتِها، فَقَدْ حَثَّ الإِسْلاَمُ عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ فِي اكتِسابِ المَالِ، مِنْ طُرُقِهِ المُباحَةِ وأَسَالِيبِهِ المُناسِبَةِ، ودَعَا لِلْمُنَافَسَةِ فِي عَرْضِ السِّلَعِ والبَدَائلِ، تَأْصِيلاً لِمَبْدَأِ الوِقَايَةِ التِي تَقْطَعُ سُبُلَ الاحتِكَارِ، ولِيَكونَ لِلمُستَهلِكِ أَكْثَرُ مِنْ خِيارٍ، فَيأْخُذُ مَا لَدَيْهِ بِهِ استِطاعَةٌ واقتِدارٌ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(2)، وَجاءَتْ نُصُوصُ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ حَاثَّةً المُسلِمَينَ عَلَى مُزاوَلَةِ التِّجَارَةِ والزِّرَاعَةِ والصِّناعَةِ بِمِهَنِها المُختَلِفَةِ، لأَنَّ بِها قِوامَ الأَرضِ، وصَلاَحَ أُمُورِ العِبَادِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وتَيْسِيرَ حَاجَاتِهمُ المَعِيشِيَّةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: ((عَلَيكُمْ بِالتِّجَارَةِ فَإِنَّ فِيها تِسْعَةَ أَعشَارِ الرِّزقِ))، كَمَا أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- حَثَّ أُمَّتَهُ عَلَى العِنَايَةِ بِالأَرضِ وزِرَاعَتِها فِي قَولِهِ: ((التَمِسُوا الرِّزقَ فِي خَبايَا الأَرضِ))، وقَولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا مِنْ مُسلِمٍ يَغْرِسُ غَرساً أَو يَزْرَعُ زَرْعاً فَيأْكُلُ مِنْهُ إِنْسانٌ أَو طَيْرٌ أَو بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ))، ولَكِنْ قَدْ لاَ يَكُونُ المَرْءُ قَادِراً عَلَى تَوفِيرِ كُلِّ مُتَطَلَّبَاتِ حَياتِهِ بِعَمَلِ يَدِهِ، فَيَنشَأُ تَبادُلُ المَصَالِحِ بَيْنَ العِبادِ، وتُجلَبُ الإِحتِياجَاتُ مِنْ مُختَلَفِ الأَصَقاعِ والبِلاَدِ، وهُنا رُبَّما سُوِّلَ لِضِعَافِ النَّفُوسِ استِغلاَلُ الآخَرِينَ، واغتِنامُ حَاجَاتِ المُستَهلِكِينَ، فَجَاءَتْ تَعالِيمُ الإِسلاَمِ بِمَنْهَجٍ وَاضِحٍ يَقِي المُجتَمَعَ تَصَرُّفاتِ النُّفُوسِ الشَّحِيحَةِ، ويُوَجِّهُ التَّعامُلاَتِ وِجْهَتَها الصَّحِيحَةَ، فَحَرَّمَ ضُروبَ الإِستِغلاَلِ الجَشِعِ، وحَذَّرَ مِنْ خُطُورَةِ الأَنَانِيَّةِ والطَّمَعِ، فَنَهَى عَنِ الاحتِكَارِ، لِلْحَيلُولَةِ دُونَ المُغَالاَةِ فِي الأَسْعارِ، فَعَنْ أَبِي هُريْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ احتَكَرَ حُكْرةً يُرِيدُ أَنْ يُغلِي بِها عَلَى المُسلِمينَ فَهُوَ خَاطِئٌ))، والحُكْرَةُ حَبْسُ السِّلَعِ عَنِ البَيْعِ، ولَمْ يَقِفِ النَّهْيُ عِنْدَ الاحتِكارِ وَحْدَهُ، بَلْ تَعدَّاهُ إِلى كُلِّ تَصَرُّفٍ أَو احتِيالٍ تَكونُ نَتِيجَتُهُ رَفْعَ الثَّمَنِ دُونَ مُبَرِّرٍ، والمُغالاَةَ فِي الأَسْعارِ والتَّضْييقَ عَلَى النَّاسِ، فَعَنْ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ دَخَلَ فِي شَيءٍ مِنْ أَسْعَارِ المُسلِمينَ لِيُغلِيَهَ عَلَيْهِم كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعظمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيامَةِ)) أَي بِمكَانٍ عَظِيمٍ مِنْها.
أَيَُّها المُسلِمونَ:
إِنَّ لِلتِّجَارَةِ فِي الإِسلاَمِ بُعْداً لاَ يَقِفُ عِنْدَ كَونِها مُجَرَّدَ سَعْيٍ لأَربَاحٍ شَخْصِيَّةٍ، بَل هِيَ وَسِيلَةٌ لِتَحقِيقِ الرَّفاهِيَةِ المَعِيشِيَّةِ، وعَامِلٌ مِنْ عَوامِلِ تَرابُطِ العَلاَقاتِ الاجتِماعِيَّةِ، إِنَّها ضَرورَةٌ لاستِمرارِ الحَياةِ الإِنْسَانِيَّةِ، هَذَا هُوَ الفَهْمُ الصَّحِيحُ لِمَعانِي التِّجَارَةِ، كَمَا استَوعَبَهُ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَجَعَلوا مِنْها سَبَباً لِكَشْفِ الغُمَّةِ، وسَنداً لِلضُّعَفاءِ فِي المَواقِفِ المُدلَهِمَّةِ، وهُنا يَسْمُونَ بِنُفُوسِهِم عَنْ حُبِّ الذَّاتِ، إِلَى قَرْعِ أَبْوابِ الجَنَّاتِ، بِما يَجُودُونَ بِهِ عَلَى الضُّعَفاءِ مِنَ المُواسَاةِ والصَّدَقاتِ، فِي مَطْلَبٍ صَادِقٍ لِلْفَلاَحِ، قَالَ تَعالَى: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون))(3)، وتَرْوِي لَنَا كُتُبُ السِّيرَةِ عَنْ مَوقِفٍ مُشْرِقٍ لأَحَدِ تُجَّارِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- يَوْمَ أَصَابَ النَّاسَ شِدَّةٌ، فَقلَّتِ السِّلَعُ وارتَفَعَتِ الأَسْعارُ، إِنَّهُ الصَّحابِيُّ الجَلِيلُ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، فَقَدْ كَانَتْ لَهُ تِجَارَةٌ ضَخْمَةٌ فِيها صُنُوفٌ مِنَ الغِذَاءِ والكِسَاءِ وأَنْواعُ السِّلَعِ، ولَمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ واقتَرَبَ مِنَ المَدِينَةِ جَاءَهُ التُّجَارُ يُساوِمُونَهُ ويَرْجُونَهُ حَتَّى دَفَعوا لَهُ رِبْحاً بِالعَشَرَةِ خَمْسَةً، وهُوَ يَقُولُ: جَاءَنِي أَكثَرُ-أَي أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ عَرْضٌ بِسِعْرٍ أَكْبَرَ مِنْ عَرْضِهِم-، فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ تُجَّارُ المَدِينَةِ؛ فَمَنْ دَفَعَ لَكَ أَكْثَرَ؟ فَقَالَ: ((إِنَّ اللهَ وَعَدَ بِالحَسَنَةِ عَشْرَةَ أَمثالِها، وإِنَّي أُشْهِدُكُم أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ التِّجَارَةِ صَدَقَةٌ عَلَى أَهلِ المَدِينَةِ))، ومَا جَاءَ المَساءُ حَتَّى كَانَتْ كُلُّهَا مُوَزَّعَةً عَلَى المُحتَاجِينَ ولَمْ يَبِتْ مِنْها شَيءٌ، هَكَذا كَانَ المُسلِمونَ السَّابِقُونَ يَرْجُونَ أَنْ يَدْخُلُوا تَحْتَ قَولِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، ومَنْ سَتَرَ مُسلِماً سَتَرهُ اللهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، واللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)).
أَيُّها المُؤمِنونَ :
إِنَّ اللهَ بِرَحْمَتِهِ حِينَ خَلَقَ المَعْروفَ خَلَقَ لَهُ أَهْلاً، فَحَبَّبَهُ إِلَيهِم، وَحَبَّبَ إِلَيْهِم إِسْدَاءَهُ، وَجَّهَهُمْ إِلَيهِ كَمَا وَجَّهَ المَاءَ إِلَى الأَرضِ المَيتَةِ فَتَحْيَا بِهِ ويَحْيا بِهِ أَهلُها، وإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ خَيْرَاً جَعَلَ قَضَاءَ حَوائجِ النَّاسِ عَلَى يَدَيْهِ، ومَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ اللهِ عَلَيْهِ كَثُرَ تَعَلُّقُ النَّاسِ بِهِ، فَإِنَّ قَامَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ للهِ فِيها فَقَدْ شَكَرَها وحَافَظَ عَلَيْها، وإِنْ قَصَّرَ وَمَلَّ وتَبَرَّمَ فَقَدْ عَرَّضَها لِلزَّوالِ ثُمَّ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ للهِ أَقْواماً اختَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنافِعِ عِبَادِهِ، يُقِرُّها فِيهِمْ مَا بَذَلُوها، فَإِذَا مَنَعُوها نَزَعَها مِنْهُمْ وحَوَّلَها إِلَى غَيْرِهِم))، وعَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: ((إِنِّي حَرِيصٌ عَلَى أَلاَّ أَدَعَ حَاجَةً إِلاَّ سَدَّدتُها مَا اتَّسَعَ بَعْضُنا لِبَعْضٍ، فَإِذا عَجَزنا تَآسَيْنا فِي عَيشِنا حَتَّى نَستَوِيَ فِي الكَفافِ))، إِنَّهُ تَكَافُلٌ فِي المَنافِعِ وتَآزُرٌ عِنْدَ الشَّدائدِ، وتَضَامُنٌ فِي التَّخْفِيفِ مِنَ المَتاعِبِ، إِنَّها صُوَرٌ مُشْرِقَةٌ مِنْ صُوَرِ الفَهْمِ الدَّقِيقِ لِمَعانِي التِّجَارَةِ، فَهْماً يُفِيدُنا بِأَنَّ عَلَى المُؤسَساتِ التِّجَارِيَّةِ، والمُنشآتِ الصِّناعِيَّةِ، والجِهَاتِ الإِنْتَاجِيَّةِ، التِزامَاً أَخْلاَقِيَّاً تِجَاهَ الوَطَنِ والمُواطِنينَ، يَفْرِضُ عَلَيْها مُراعَاةُ ظُرُوفِ المُستَهلِكينَ، فَما هِيَ إِلاَّ بِهِمْ، هُمْ أَدَاةُ إِنْتَاجِها، وهُمْ كَذَلِكَ سُوقُ مَبِيعَاتِها، وفِي هَذَا السِّياقِ يَتَعَيَّنُ عَلَى المُؤَسَّساتِ أَنْ تَضَعَ المَسؤولِيَّةَ الاجتِماعِيَّةَ فِي صُلْبِ استَراتِيجيَّاتِها، إِذْ أَنَّ هَذِهِ المَسؤولِيَّةَ هِيَ فِي المَقامِ الأَوَّلِ رِسَالَةُ صِدْقٍ وخِدْمَةٌ إِنْسانِيَّةٌ، تَهْدِفُ إِلَى تَحْسِينِ حَياةِ المُجتَمَعِ، ولِتَأْصِيلِ هَذَا المَعنَى شُرِعَتْ زَكَاةُ عُروضِ التِّجَارَةِ طَهَارةً لِلنُّفُوسِ، وتَزكِيَةً لِلْقِيَمِ والمَبادِئ، قَالَ تَعالَى: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))(4)، وفِي المُقابِلِ حَذَّرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مَنْ يَبْخَلُ بِهَذا الحَقِّ فَقَالَ سُبْحانَهُ: ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))(5)، إِنَّ الزَّكَاةِ لَمْ تَكُنْ فَقَطْ مُجَرَّدَ إِعْطَاءِ بَعْضٍ مِنَ المَالِ لإِطْعامِ الفُقَراءِ ونَحْوِهِم، بَلْ هِيَ أَدَاةٌ مِنْ أَدَواتِ التَّنْمِيَةِ عَلَى صَعِيدٍ أَكْبَرَ، وذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ تَوفِيرِ فُرَصِ عَمَلٍ، مِثْلَ أَنْ يُعْطَ الشَّابُّ الفَقِيرُ رَأْسَ مَالٍ كَي يَبْدأَ تِجَارَةً، أَو يَشْتَرِيَ آلَةً لِحِرفَةٍ يَعلَمُها.
فَاتَّقوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَلْتَكُنِ النُّفُوسُ سَخِيَّةً، والأَيْدِي بِالخَيْرِ نَدِيَّةً، واستَمسِكُوا بِعُرَى السَّمَاحَةِ، وسَارِعُوا إِلَى سَدادِ عَوَزِ المُعْوِزِينَ، ومَنْ بَذَلَ اليَوْمَ قَلِيلاً جَناهُ غَداً كَثِيراً، تِجَارَةٌ مَعَ اللهِ رَابِحَةٌ، وقَرْضٌ للهِ حَسَنٌ مَردُودٌ إِلَيْهِ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً، إِنْفَاقٌ بِاللَّيلِ والنَّهارِ، والسِّرِّ والعَلَنِ: ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ))(6).
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ لارتِفاعِ الأَسْعارِ أَسْباباً كَثِيرَةً مُتَنَوِّعَةً، وقَدْ يَجِدُ المَرءُ فِي كَثِيرٍ مِنْها أَعْذاراً لِلتُّجَّارِ، عِنْدَما يَتَبَيَّنُ أَنْ لَيْسَ ثَمَّةَ نِيَّةٌ لِلاستِغَلاَلِ والإِضْرارِ، لاَ سِيَّما فِي السِّلَعِ المُستَورَدَةِ مِنْ خَارِجِ البَلَدِ، والتِي لاَ يَكُونُ لِلتَّاجِرِ فِي تَحْدِيدِ سِعْرِها يَدٌ، ولِذَا كَانَ الأَصلُ فِي البَيْعِ والشِّراءِ مَنْعَ التَّسعِيرِ عَلَى أَربَابِ التِّجَارَةِ، لِمَا قَدْ يُسَبِّبُهُ ذَلِكَ لَهُمْ مِنَ الضَّرَرِ والخَسَارَةِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: غَلاَ السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَقَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، سَعِّرْ لَنا، فَقالَ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّزاقُ، وإِنِّي لأَرْجُو أَنْ ألقَى رَبِّي ولَيْسَ أَحَدٌ يَطلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ ولاَ مَالٍ))، وَهَذا أَمْرٌ وَاضِحُ الحِكْمَةِ فِي السِّلَعِ المَجلُوبَةِ، وهُوَ كَذَلِكَ فِي أَوضَاعِ السُّوقِ العَادِيَّةِ، ولَكَنْ لَيْسَ فِيهِ مُبَرِّرٌ لِبَعْضِ صُوَرِ المُغالاَةِ فِي أَسْعارِ سِلَعٍ مِنَ المُنتَجاتِ الوَطَنِيَّةِ، أَبَانَتْ جِهاتُ الإختِصاصِ مِقْدَارَ قِيمَتِها التَّسوِيقِيَّةِ، ومِثلُها المُغالاَةُ فِي الإِيجَارَاتِ السَّكَنِيَّةِ، والمُضَارَبَةُ المُخَالِفَةُ لِلنُّظُمِ فِي المَبِيعَاتِ العَقارِيَّةِ، فَمَا المُبَرِّرُ لِرَفْعِ قِيمَةِ إِيجَارِ مَبَانٍ مَضَى عَلَى بِنَائها سَنواتٌ، ولَمْ تُكَلِّفْ مَالِكَها جَدِيداً مِنَ الأَعمَالِ والخِدْماتِ، فَيَرفَعُ السِّعْرَ مُتَجاوِزاً حُدودَ المَسْمُوحِ بِهِ فِي هَذَا المَجَالِ، إِنَّ لِمثْلِ هَذَهِ التَّصَرُّفاتِ عَلَى المُجتَمَعِ عَواقِبَ خَطِيرةً، ولَها نَتَائجُ وَخِيمَةٌ مُستَطِيرَةٌ، فَهِيَ تُؤثِّرُ عَلَى العُمَّالِ والمُوَظَّفِينَ، وعَلَى استِقرارِ شَرِيحَةِ المُنتِجِينَ، مِمَّنْ تَضْطَرُّهُمْ ظُروفُ عَمَلِهِمُ المَكَانِيَّةُ والزَّمانِيَّةُ إِلَى السَّكَنِ فِي مَنطِقَةٍ بِعَينِها، فَارتِفاعُ تَكالِيفِ السَّكَنِ مَعَ إِمكَانَاتِهِمُ المُحدودَةِ، قَدْ يَصَلُ بِهم إِلَى الأَزَماتِ والبَلْوَى، وحِينَها قَدْ لاَ يَكُونُ لاستِمرارِهم فِي أَعمَالِهم جَدْوَى، فَتَخْتَلُّ بِذَلِكَ الإِنتَاجِيَّةُ، وتَتَضَرَّرُ المَصَالِحُ الوَطَنِيَّةُ، فَأَيْنَ هَؤلاءِ المُلاَّكُ عَنْ مَسؤولِيَّاتِهِمُ التَّكَافُلِيَّةِ؟ وأَيْنَ هُمْ مِنْ قَولِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، ومَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ))، وقَولِهِ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- : ((إِنْ كَانَ عِنْدكَ خَيْرٌ تَعودُ بِهِ عَلَى أَخِيكَ، وإِلاَّ فَلاَ تَزِيدَنَّهُ هَلاَكاً إِلَى هَلاَكِهِ))، أَلاَ فَلْيَعلَموا أَنَّ المَالَ مَالُ اللهِ، ومَا العَبْدُ إِلاَّ مُستَخْلَفٌ فِيهِ يَصْرِّفُهُ فِيما شَرَعَهُ سُبْحانَهُ وارتَضَاهُ، قَالَ عَزَّ وجَلَّ: ((آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ))(7)، إِنَّ عَدَمَ الاكتِراثِ بِعِبَادِ اللهِ المُحتاجِينَ، وإِهمَالَ مُراعَاةِ الضُّعفَاءِ والمُعْسِرينَ سُلُوكٌ سَيِّءٌ مُشِينٌ، وإِنَّ الشَّرِيعَةَ الكَامِلَةَ الحَكِيمَةَ العَادِلَةَ لا تُطْلِقُ تِلْكَ الحُرِّيَّةَ لأَربَابِ السِّلَعِ والمَتاعِ بِلاَ قُيودٍ ولاَ ضَوابِطَ، فَإِذَا أَسَاءَ التَّجارُ استِخْدامَ هَذِهِ الحُرِّيَّةِ وتَعَسَّفُوا وتَعَدَّوا، وتَرَكُوا السِّعْرَ المُتَقارِبَ المُتَعارَفَ عَلَيهِ إِلَى السِّعْرِ المُتَفاحِشِ الفَادِحِ، وعَمدوا إِلَى رَفْعِ أَسْعارِ السِّلَعِ والخِدْماتِ بِلاَ أَسْبابٍ تَسْتَدعِيهِ، ولاَ عَوامِلَ تَقتَضِيهِ سِوَى الطَّمَعِ، والرَّغْبَةِ فِي التَّكَاثُرِ والجَشَعِ، واستَغلُّوا رَغْبَةَ النَّاسِ فِي الشِّراءِ وحَاجتَهُمُ الاستِهلاَكِيَّةَ، وأََوهَمُوا المُشْتَرِينَ بِأُمُورٍ مُفتَعَلَةٍ وأَسْبابٍ مُختَلَقَةٍ لاَ حَقِيقَةَ لَها فِي الوَاقِعِ، حتَّى أَضْحَتِ الأَسْعارُ فِي تَصَاعُدٍ مُستَمِرٍّ وحَرَكَةٍ مُطَّرِدَةٍ، وأَصْبَحَ سِعْرُ الشَّيءِ مِثلَيْهِ أَو أَكْثَرَ إِلَى أَضْعافٍ مُضَاعَفَةٍ، وتَضَرَّرَ أَكْثَرُ النَّاسِ بِالغَلاَءِ، وأُرهِقَ الفُقَراءُ، وأُثقِلَ كَاهِلُ المُحتَاجِينَ والضُّعفاءِ، عِنْدَها تَكُونُ الأَذَيَّةُ لِلنَّاسِ ظَاهِرَةً، لاَ مُسَوِّغَ لِفِعْلِها ولاَ إِقْرِارِها، بَلْ يَجِبُ النَّهْيُ عَنْها وإِنكَارُها، كَيْ يَسِيرَ الجَمِيعُ عَلَى الطَّرِيقِ الأَمثَلِ الأَقْوَمِ، وهُنا قَدْ تَضْطَرُّ الجِهاتُ المَسؤولَةُ إِلَى التَّسْعِيرِ الذِي لاَ وَكْسَ فِيهِ ولاَ شَطَطَ، وقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ، والأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ، عَلَى جَوازِ تَقْوِيمِ الأَشيَاءِ بِقيمَةِ عَدْلٍ وثَمَنِ مِثْلٍ، وفِي مِثْلِ هَذَهِ الحَالَةِ يَتَحقَّقُ بِالتَّسْعِيرِ رِبْحٌ ونَماءٌ لأَربَابِ السِّلَعِ وعَدْلٌ بَيْنَ البَائعِينَ والمُشتَرِينَ، ويَستَقِرُّ التَّوازُنُ الاقتِصادِيُّ العَامُّ، ويُحْمَى الضُّعفاءُ مِنْ جَشَعِ الطَّامِعينَ، ومَا يُؤَدِّي إِلَى استِغلاَلِ المُستَهلِكينَ، ويُحافَظُ عَلَى القُدْرَةِ الشِّرائيَّةِ لِلفُقَراءِ والمُحتَاجِينَ، تَحقِيقاً لِقَاعِدةِ: ((دَرْءُ المَفاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ))، و((الضَّرَرُ الأَشَدُّ يُزالُ بِالضَّرَرِ الأَخَفِّ))، و((المَصلَحَةُ العَامَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى المَصلَحَةِ الخَاصَّةِ)).
فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واجعَلُوا مِنَ التَّكَافُلِ بَيْنَكُمْ مُعِيناً عَلَى الأَزَماتِ، ومِنَ الإِيثَارِ حَلاَّ لِلمُشْكِلاَتِ، تَطِبْ لَكُمُ الحَياةُ، وتَهْنأَوا بِالجَنَّةِ بَعْدَ المَمَاتِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) (8).
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
المصدر صفحة خطب الجمعة
 

zxc

إنضم
17 فبراير 2015
المشاركات
96,551
مستوى التفاعل
58
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

في موازين حسانتك اخي المسلاتي
 
إنضم
24 مايو 2016
المشاركات
122
مستوى التفاعل
0
الإقامة
tunisie
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات


_ شكرا على المتابعة يا غالي_
__تحياتي __
__bekalta___
 
إنضم
12 يونيو 2018
المشاركات
4
مستوى التفاعل
0
العمر
36
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بارك الله فيكم
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

امين

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

عنوان الخطبة استقبال شهر رمضان المبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الخطبة الاولى
الحمد لله الذي أنعم علينا بمواسم الطاعات التي تضاعف فيها الحسنات، وتمحى فيها السيئات، أحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شىء قدير، يفتح لنا في رمضان أبواب الجنان ، ويغلق أبواب النيران ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، خير من صلى وصام, وأطعم الطعام وألان الكلام، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)

أيها المؤمنون: نحن على أبواب شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران, يسعى فيه المؤمن ليكون من الفائزين، فيصوم نهاره، ويقوم ليله، ويكثر من الصدقات، ويتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحات، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفي بمجيء هذا الشهر الكريم ويتهيأ لاستقباله، ويعرف الناس فضائله ومزاياه، ويذكر لهم ما فيه من خيرات ورحمات وبركات, فتقوى عندهم الهمة, وتشتاق القلوب والأرواح لقدوم هذا الشهر المبارك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة ».
فلنحافظ على صوم شهر رمضان, ولنبتعد فيه عن اللغو والرفث والعصيان، والغيبة والنميمة وكل فعل لا يرضي الرحمن, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه ».
عباد الله: المراد من الصيام تقوى الله عز وجل, يقول تعالى( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
والتقوى هي امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، ويحققها المسلم في رمضان بمراقبة الله تعالى في صيامه، وامتناعه عن الشهوات والمباحات في نهار رمضان، وبالإقبال على صلاة القيام، وقراءة القرآن، وفعل البر والإحسان, وإخراج الزكاة والصدقات, وبر الآباء والأمهات، وصلة الرحم والقرابات, وإطعام الطعام، وإفشاء السلام وكفالة الأيتام, والعطف على الفقراء والمساكين, وتفقد المحتاجين، والقيام بالواجبات بنشاط وهمة، وأداء المهمات بتميز وعزيمة، والتحلي بالصبر ليفوز بالجنة.
أيها المسلمون: ومن معاني الاستعداد لاستقبال شهر البر والخيرات أن نسارع بالتوبة النصوح الصادقة, وأن نعقد النية على الإخلاص في صيامنا وقيامنا, ليغفر الله تعالى لنا ما تقدم من ذنوبنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
ويجب على الصائمين -استعدادا لشهر رمضان الكريم- أن يتعلموا أحكام الصيام ويسألوا عن ذلك أهل العلم الكرام, وينظموا فيه أوقات الليل والنهار, ويسلكوا فيه مسلك الأبرار، فوقت لتلاوة القرآن, وآخر لذكر الرحمن, وفسحة لدعوة الأقارب وإقامة المآدب، وزمن لتعلم العلم، والزيادة من الحكمة والفهم، وهمة لقضاء حوائج الناس، وساعة للترويح عن النفس، ويكون في كل أوقاته مراقبا لله تعالى في سلوكه وأعماله، فيرد الإساءة بالإحسان ويقابل الجهل بالصفح والغفران، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل، فإن جهل عليه فليقل إنى امرؤ صائم ».
اللهم بارك لنا فيما بقي من شعبان وبلغنا رمضان, وأعنا فيه على الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ اللسان وقراءة القرآن.
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعا لطاعته وطاعة من أمرنا بطاعته, عملا بقوله( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: ها هو شهر رمضان أقبلت نسماته، وهلت خيراته، تستعد فيه الجنة لاستقبال الصائمين من باب الريان، فعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إن في الجنة لبابا يدعى الريان يدعى له الصائمون، فمن كان من الصائمين دخله، ومن دخله لم يظمأ أبدا»
ألا فاستعدوا له استعداد الذي أعطي الفرصة ليفوز برحمة الله وجنانه، ويحظى بعفوه وغفرانه، ويعتق نفسه من نيرانه.
عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته فقال تعالى(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا»
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
اللهم سلمنا لرمضان، وسلم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبلا، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، اللهم اجعلنا فيه ممن قبلتهم وغفرت لهم، وأعتقت رقابهم من النيران.
اللهم وفق ولاة امور المسلمين لمافيه خير الدين والبلاد والعباد .
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)


المصدر الخطب المنبرية اوقاف الامارات بتصرف
 

zxc

إنضم
17 فبراير 2015
المشاركات
96,551
مستوى التفاعل
58
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بارك الله فيك
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

خطبة الجمعة عنوانها : فضائل شهر رمضان المبارك



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، فضل شهر رمضان على غيره من شهور العام، خصه بمزيد من الفضل والكرم والإنعام، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، وأشهدٌ أن محمداً عبدُه ورسوله أفضل من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليماً كثيرا أما بعد:

أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه إذ بلغكم شهر رمضان، وسلوه أن يعينكم في هذا الشهر على اغتنام أوقاته بالطاعات والخيرات، فإنه موسم عظيم ووافد كريم فضله الله سبحانه وتعالى فقال:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فهذا الشهر خير كله أيامه ولياليه ساعاته وأوقاته، ولكن الشأن فينا نحن بماذا نستقبل هذا الشهر؟ وبماذا نقضي أوقاته المباركة؟ فالشهر شهر عظيم، ولكن المشكلة عندنا نحن في أنفسنا، فلنعرف قدر هذا الشهر ولنستقبله بالبشر والسرور قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه قال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا ، وذكر له فضائل كثيرة:

فأول فضائل هذا الشهر: أن الله أنزل فيه القرآن أي ابتدأ إنزال القرآن في هذا الشهر وذلك في ليلة القدر كما قال جل وعلا:(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)،(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) فابتدأ بإنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثم تتابع نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً حسب الوقائع والنوازل إلى أن أكمله الله عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حينما أنزل الله عليه قوله:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذا الشهر بتلاوة القرآن أكثر من غيره، وكان صحابته والمسلمون من بعدهم يقبلون على تلاوة القرآن في هذا الشهر العظيم، فهو شهر القرآن، وهو شهر الصيام، فالله جل وعلا جعل صيامه فريضةً وركناً من أركان الإسلام (مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، النبي صلى الله عليه وسلم جعل صيام رمضان من أركان الإسلام الخمسة قال صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمسة أركان:شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، حج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا ، فيجب على كل مسلم مقيم أن يصوم هذا الشهر من أوله إلى آخره أداءً في وقته، أما من كان معذوراً بسفر أو بمرض فإنه يفطر أيام سفره وأيام مرضه على أن يقضي ما أفطره من أيام آخر، والنبي صلى الله عليه وسلم شرع لنا وسن لنا قيام ليله قال صلى الله عليه وسلم: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وقال صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، وقد جاء من يفسر قيام رمضان بقوله صلى الله عليه وسلم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ، فقيام رمضان فيه فضل عظيم، يكفر الله به الذنوب، من قام رمضان إيمانا واحتسابا، إيماناً وتصديقاً به وبفضله واحتساب لأجره فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وذلك بالذنوب الصغائر، أما الذنوب الكبائر فإنها لا تكفر إلا بالتوبة (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)، قال صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ، وأصحاب الكبائر متى تابوا إلى الله قبل الله توبتهم وغفر ذنوبهم (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)، ولكن في شهر رمضان تتأكد التوبة والاستغفار على كل مسلم أن يحاسب نفسه وينظر في أعماله ليدخل في هذه الشهر وقد طهر نفسه من الذنوب حتى يدخل فيه بنفسي نقية حتى يتفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى.

ومن فضائل هذا الشهر: أنه تفتح فيه أبواب الجنان، وذلك بتيسير الأعمال الصالحة وتسيلها على أهل الإيمان، لأن الجنة إنما تحصل بالأعمال الصالحة بسبب الأعمال الصالحة، فالله يفتح أبواب الجنان لأجل أن يتسابق المسلمون إليها بالأعمال الصالحة، وهي في هذا الشهر موفرة وميسرة لمن يسره الله له، وتغلق فيه أبواب النيران وذلك بأن المسلمين يتوبون إلى الله ويستغفرونه فينجون من النار، لأن الأعمال السيئة سبب لدخول النار، فالله جلَّ وعلا يغلقها عنهم في هذا الشهر بمعنى أنه يسر لعباده التوبة والاستغفار وترك الذنوب والمعاصي حتى ينجو من هذه النار، وهذا الشهر يغلو في الشيطان فلا يتمكن من إشغال المسلمين عن دينهم، كما كان يفعل ذلك في غير رمضان، في رمضان الله جلَّ وعلا يمنعه عن عباده المؤمنين لا يوسوس لهم، ولا يشغلهم، ولا يصدهم عن الأعمال الصالحة، ولهذا تجد المسلمون ينشطون في هذا الشهر ويقبلون على الأعمال الصالحة أكثر من غيره عن رغبة وطواعية لأن الشيطان لا يتمكن من إشغالهم وصدهم عن الأعمال الصالحة وهذا شيء مشاهد، فإن إقبال الناس على العبادة في هذا الشهر دليل على أن الشيطان قد منع من أن يحول بينهم وبين الطاعات لكنه يسلط على أولياءه، فالله جل وعلا منع حزبه وجنده من أن يتسلط عليهم الشيطان قال:(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ)، فعباد الله المخلصون ليس للشيطان عليهم سبيل لاسيما في رمضان، أما جنده وحزبه فإنه مسلط عليهم في كل وقت ويزداد شره في هذا الشهر كما قال سبحانه وتعالى:( وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)، ولذلك تجد أهل الشر يعدون العدة لهذا الشهر ويخططون البرامج الهابطة والمسلسلات المضحكة، وأنواع من اللهو واللعب، ينوعنه في هذا الشهر من أجل أن يصدوا الناس عن الطاعة ويشغلوهم باللهو واللعب والمعاصي تيسرت لهم السبل في الإذاعات والمحطات والانترنت وغير ذلك، أكثر ممن سبق وهذا خطر عظيم، يجب على المسلم أن يحفظ نفسه وأن يحفظ أهل بيته وأن يطهر بيته من هذه الوسائل الشريرة وهذه البرامج الهابطة وحتى متابعة الإذاعات ومتابعة الفضائيات حتى ولو كانت فيها خير فإنها تشغل عن الذهاب إلى المساجد ومشاركة المسلمين في الصلوات النوافل والفرائض وتلاوة القرآن، فتجدهم يتابعون هذه البرامج في أوقاتها وربما يتأخرون عن صلاة الجماعة متابعة لها، فالمسلم يغلق هذه الأبواب يغلقها دائما وفي شهر رمضان آكد ولا يشغل نفسه ولا يشغل أهل بيته ويشغل زواره بهذه البرامج التي أقل أحوالها إن كان فيها خير أنها تشغل عما هو أهم منها فكيف إذا كانت كلها شر وكلها دسائس شيطانية، فعليكم أن تتنبهوا فإن أعوان الشيطان وجند الشيطان يتسلطون في هذا الشهر وينعون البرامج من أجل أن يجذبوا الناس إليها ويشغلوهم بها عن دينهم ودنياهم وعن آخرتهم وعن شهرهم فلنتقي الله، ولنحذر من هذه الشواغل وهذه الأمور حتى أمور الدنيا حتى طلب الرزق الذي لا يحتاجه الإنسان طلب للتجارة، ينبغي للمسلم أن يخفف أن يخفه في هذا الشهر وأن يصرف جولا وقته في طاعة الله سبحانه وطلب الدنيا له وقت آخر وهذا الوقت يفوت، وأما طلب المال والكسب فهذا لا يفوت، فعلى المسلم أن يتنبه لذلك، كذلك هؤلاء يشغلون المسلمين بالمسابقات وما أدرك ما المسابقات يجعلون فيها دراهم والدراهم تجذب القلوب فتجدهم يتابعون هذه المسابقات ويشغلون أوقاتهم فيها ربما يحصل على شيء من الدراهم وربما لا يحصل على شيء، ولو حصل على ملايين من الجوائز فإنها لا تعادل حسنة واحدة في هذا الشهر المبارك، فعلى المسلم أن يتسابق في الخيرات، وأن يسابق إلى الجنات ويسارع إلى الطاعات، وأن يترك هذه الأمور ولا يشغل نفسه بها أو يشغل أولاده أو أهل بيته بها فإنها صوارف إنها ضياع للوقت والعمر إنها ضياع لهذا الشهر العظيم.

فلنتقي الله، أيها المسلمون، هذا الشهر شهر عظيم كله، خير كله بركة نهاره صيام وليله قيام وذكر لله سبحانه وتعالى، فالمسلم إما أن يشغل وقته دائما في الفرائض والنوافل والطاعات أو يستريح بالنوم لينشط على العبادة، والنوم الذي بمقدار، أما الذي ينام يسهر الليل على القيل والقال والأكل والشرب والملذات ثم ينام النهار كله ويقول أنا صائم هذا من العجائب صائم يترك الصلوات يترك الفرائض لا يصلي مع الجماعة لا يتجه إلى المساجد هذا صائم، الصيام ليس عن الأكل والشرب فقط، الصيام إنما هو إمساك عن كل ما حرم الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم ذلك إضاعة الفرائض في أوقاتها، فعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذا الأمر، فشهر رمضان ليس شهر للكسل والأكل والشرب إنما هو شهر للطاعة والجد والاجتهاد للقول العمل ولا مانع أن يأخذ الإنسان قسطاً من الراحة لا يفوت عليه خيراً، لا يفوت عليه صلاة الجماعة، لا يفوت عليه المشاركة في الخير، بل يجمع بين ما يريح جسمه وما يحي قلبه وروحه وفكره بذكر الله سبحانه وتعالى هذه فرصة، والفرص لا تدوم، وشهر رمضان ربما لا يتكرر عليك مرة ثانية فيكون هذا الشهر ختاماً لحياتك بل تختمها بخير ختام، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قول هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله، وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
أيُّها الناس، ينادي منادينا كل ليلة من ليالي شهر رمضان يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة، يا باغي الخير أقبل هل أحد لا يريد الخير؟ كلنا يريد الخير كل الناس يريدون الخير، لكن الشأن لا يقتصر على الإرادة لابد من العمل، فإذا أردت الخير فعمل (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً)، فإذا أردت الخير فعمل، اعمل الخير ولا يكفي الإرادة فإن في الحديث: العاجز من اتبع نفسه هواها وتمن على الله الأماني، فالأماني لا تنفع ولإرادة وحدها من دون عمل لا تنفع يا باغي الخير أقبل أقبل على الله بالطاعات أقبل على الله بالقوربات، وأول ذلك المحافظة على الفرائض في أوقاتها ثم بقية الأعمال بادر بها نوعها اشتغل بها فإنك بحاجة إليها عما قريب والله عما قريب ستحتاج إلى الحسنة الواحدة حينما يحضرك الأجل ويختم العمل وتتمنى الرجوع لعمل صالحاً فلا تمكن من ذلك، فأنت الآن في زمن الطلب وفي زمن الأمنية وقد أهلَّ الله عليك هذا الشهر فبادره بالطاعات والقروبات يا باغي الخير أقبل، أقبل على الله وأعرض عما سواه، أقبل على الله بالطاعات والقروبات والصدقات وفعل الخيرات، أقبل بكل أنواع الإقبال على الله فإن الله مقبل عليك سبحانه وتعالى ويتقبل منك القليل والكثير ويضاعف لك القليل أضعاف كثيرة(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)، فأقبل على الله بكل أنواع الإقبال فإن الله مقبل عليك ما دمت مقبل عليه، أما إذا أعرضت عن الله فإن الله جلَّ وعلا يعرض عنك فهو غنيٌ عنك وأنت الفقير المحتاج إليه، ويا باغي الشر أقصر، يا من يريد إضلال الناس وإغواء الناس وإفساد الناس، يا من يريد إشغال الناس بالملاهي والمعازف والمزامير، يا من يريد إشغال الناس بالتمثيليات والخزعبلات، يا من يريد إشغال الناس بالمضحكات والملهيات أقصر، أقصر أخسر أخسا عدو الله فإنك مهزوم وإنك مغبون وإنك مطرود فعليك أن تعرف قدر نفسك ولا تشغل المسلمين، يا باغي الشر أقصر، أقصر عن الشر فإن لم تقصر فستقصر بأمر الله سبحانه وتعالى وستخصر يوم لا ينفعك الندم.

فتقوا الله، عباد الله، وبادروا بالخيرات ما دامت ممكنةً لكم وميسرةً لكم فإن الفرص لا تدوم وإن الحياة زائلة وإن العمل باقي على خيره أو وشره.

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلٌ بدعة ضلالة.

وعليكم بالجماعة، فإن يدا الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر عظيم فقال سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمَّد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين،الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهُمَّ بارك لنا في شهر رمضان، اللَّهُمَّ أرزقنا فيه القوة والاحتساب العمل الصالح، اللَّهُمَّ أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللَّهُمَّ ارزقنا من فضائله ومغانمه ما يسرته لنا، اللَّهُمَّ أعنا على صيامه وقيامه وحفظ أيامه من الخلل والضياع، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهدين غير ضالين ولا مضلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين يا رب العالمين.

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.


المصدر موقع الشيخ صالح الفوزان
 

zxc

إنضم
17 فبراير 2015
المشاركات
96,551
مستوى التفاعل
58
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بارك الله فيك
 
أعلى