• لا يمكن تحميل الملفات المرفقة الا بعد الرد على الموضوع

خطب الجمعة والمناسبات

إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم

الخطبة عنوانها
أبرز المخالفات الواقعة زمن الاختبارات


الخطبة الاولى

إَنْ الْحَمْدَ لِلَّهِ نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومن سَيئات أعمَالنا مَنْ يَهْدِه اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.


أما بعد:- فَإِنَّ خَيْرَ الحديث كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ-صلى الله عليه وسلم- وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكلَّ محدثةٍ بدعة وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وكلُّ ضَلالةٍ في النَّارِ.


أيها الناس، إن مواسم الاختبارات التعليمية-ونحن على أبوابها-مواسمُ بالغةُ الأهمية ليس لما فيها من الاختبار ثم ما يتبعه من النجاح والرسوب فقط، ولكن لأنها مواسم تقع فيها كثير من المخالفات مما لا يجوز السكوت عنه،ومنها عشر مخالفات:


المخالفة الأولى: ضعف التوكل على الله, ومعلوم أن التوكل على الله من أعظم العبادات القلبية وليتذكر المؤمن قوله تعالى: " ومن يتوكل على الله فهو حسبه"،والتوكل هو الاعتماد بالقلب على الله، مع الأخذ بالأسباب، فعلى الطالب الأخذ بالطرق الصحيحة للمذاكرة وأثناء الإجابة، ويعلم أن التوفيق هو بيد الله وحده.

المخالفة الثانية: عدم استحضار النية, فكثير من الطلاب والطالبات يدرس التوحيد والقرآن والحديث والتفسير والفقه, ولا يستحضر نية العلم بل ويغلّب جانب النجاح والتفوق فلذلك تجدهم لا يستفيدون شيئا إلا النزر اليسير،
وهذا جزاءً وفاقاً قال تعالى :"من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون " وليتذكر حديث :"إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ مانوى".


المخالفة الثالثة : "إهمال الصلاة زمن الاختبارات بحجة المذاكرة , وهذا الإهمال له صور :

أ - تركها بالكلية : وهذا متوعد بقوله - صلى الله عليه وسلم -"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة , فمن تركها فقد كفر".

ب - النوم عنها وإخراجها عن وقتها,بحجة السهر!! وهي كبيرة من كبائر الذنوب ويكفي فيها الوعيد الوارد في قوله تعالى:"ويل للمصلين,الذين هم عن صلاتهم ساهون"قال سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه -:الذين يؤخرونها عن وقتها".

جـ - عدم أدائها مع الجماعة , إما بالنوم والاستيقاظ قبل خروج الوقت - وهذا الغالب - أو بالانشغال بالمذاكرة وهذا متوعد قال ابن مسعود رضي الله عنه - : " ولقد رأيتنا, وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق, ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"
وقال - صلى الله عليه وسلم -:" من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " .

وعلى الأسرة عدم التساهل في الصلاة بحجة الاختبارات، وصلاة الفريضة ونوافلها لاتأخذ وقتاً طويلاً والحمد لله، وكذا فإن البعض على العكس فمن الطلاب والطالبات من لا يعرف ربه إلا زمن الاختبارات، فصلى ودعا وترك المعاصي، فإذا انتهت الاختبارات نسي ربه وأضاع دينه!.


المخالفة الرابعة: انتشار أدعية مخصصة للامتحانات وهي كالتالي
دعاء قبل المذاكرة، ودعاء بعد المذاكرة،ودعاء التوجه إلى الامتحان، ودعاء دخول لجنة الامتحانات، ودعاء عند بداية الإجابة، ودعاء عندالنسيان، ودعاء عند النهاية وغيرها، قالت اللجنة الدائمة للإفتاء:" هذه الأدعية الموضوعة للمذاكرة والنجاح والمنوعة لكل حالة تعرض للطالب أثناء المذاكرة أدعية مبتدعة، لم يرد في تخصيصها بما ذكر دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما ذكر فيها من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو آثار،إنما وردت لأسباب: إما خاصة بها،أو عامة لسؤال الله ودعائه والتضرع له والالتجاء إليه والتوكل عليه سبحانه في كل أمور الإنسان التي تعرض له أما تخصيصها بما ذكر فلا يجوز،ويجب ترك العمل بها لهذا الخصوص ، وعدم اعتقاد صحتها فيما ذكر، والدعاء عبادة لله،فلا يصح إلا بتوقيف، وينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يدعو الله بأن ييسر له أموره كلها، وأن يزيده علما وفقها في الدين،وأن يلهمه الصواب،ويذكره ما نسي، ويعلمه ما جهل، ويوفقه لكل خير ، ويذلل له كل صعب،دون أن يجعل لكل حالة دعاء مبتدعا يواظب عليه، وذلك أسلم له في دينه وأحرى أن يستجيب الله لدعائه، ويوفقه لكل خير، فالله سبحانه وتعالى وعد من دعاه بالإجابة والتوفيق للهداية والرشاد، وشرط لذلك الاستجابة لما شرع الله والإيمان به سبحانه ، والاستقامة على دينه كما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )
فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء ( 24/ 183–184).



المخالفة الخامسة :تعاطي المخدرات, فتجد في هذه الفترة نشاطا من شياطين الإنس والجن في نشر هذه الحبوب , فتجد رواجا عند الطلاب, بحجة أنها منبهه ومنشطة - زعموا - فيقع الطالب وربما الطالبة في حبائلهم , بدعوى أنها تقوي الذاكرة وتفتح الذهن وتضاعف النشاط وتساعد على المذاكرة _ وقد ثبت طبياً أن نتائجها وآثارها على العكس من ذلك تماماً والواقع يصدق هذا ويؤكده، وهذا يستوجب على الآباء والمعلمين الحذر، وتحذير الطلاب منها، وإنه ليس بسر إذا قلنا إن بلادنا –خاصة- مستهدفة في شبابها استهدافاً كبيراً من قبل تجار المخدرات ومن قبل أعداء عقيدتنا وحسادنا على نعمتنا.


المخالفة السادسة: الرشوة, -خصوصاً في المدارس الخاصة- وهذه من أعظم المصائب التي ابتلينا بها فيدفع للمعلم مبلغاً لأجل الحصول على الأسئلة , ولا يخفى الوعيد الوارد في هذا , ففي الحديث:" لعن الله الراشي والمرتشي"


المخالفة السابعة: الغش , وهو من كبائر الذنوب , وهذا مما عم وطم-إلا من رحم الله-, واستساغه الكثير , ومما يؤسف له أن الأمر لا يقف عند ممارسة الغش وإنما الأمر الأخطر من ذلك اعتباره أمراً مباحاً وحقاً مشروعا في نظر كثير من الطلاب، ومما يؤسف له أيضاً أن يخون بعض المعلمين أماناتهم فيربون الجيل على الغش إما بإعانة الطلاب قولاًُ وعملاً وإما بغض الطرف المتعمد الذي يفهم منه الطلاب الإذن بالغش، وينبغي نصيحة من يقوم بذلك والتبيلغ عنه من الطلبة والمعلمين وأصحاب المكتبات ممن يعين الطلاب على الغش، عجبا لأمرهم، ما أجهلهم! و لا أدري هل نسوا أم تناسوا حديث: " من غشنا فليس منا "، وقوله تعالى:" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "؟!.

وأتترككم مع فتوى للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في ذلك حيث قال في حديث " من غشنا فليس منا ": والغش في الامتحان داخلٌ في هذا العموم فلا يجوز للطالب أن يقوم بالغش في الامتحان لا مع نفسه ولا مع غيره فلا يجوز له أن يطلب من يساعده على الحل ولا أن يعين غيره في الحل لأن تبرؤ النبي عليه الصلاة والسلام من الغاش تدل على أن الغش من كبائر الذنوب وليس من سمات المسلمين، ولا فرق بين المواد في الامتحان فكما أن الغش في القرآن وتفسيره والحديث وشروحه والفقه وأصوله والنحو وفروعه محرم فكذلك الغش في مادة الإنجليزي والعلوم وغيرها؛ لأن الكل سواء فيه، يعني في مواجهة الحكومة فيما يتعلق بالرتب والمراتب بعد التخرج والحكومة وفقها الله جعلت مواد معينة لهذا الطالب إذا نجح فيها صار أهلاً لما تقتضيه هذه الشهادة فإذا نجح فيها بالغش فإنه لم يكن ناجحاً فيها في الواقع فلا يستحق المرتبة ولا الراتب الذي جعل على هذه على هذه الشهادة"ا.هـ(فتاوى نور على الدرب، و موجودة في الموقع الرسمي للشيخ العثيمين).


المخالفة الثامنة: الغيبة , فكثير من الطلاب والطالبات إذا لم ترق له الأسئلة , قام بغيبة هذا المعلم وشتمه, والوقوع في عرضه , ونسي المسكين أنها كبيرة من كبائر الذنوب .


المخالفة التاسعة: رمي الكتب والأوراق , وهذا والله مما يندى له الجبين , فكم ترى كتاب التوحيد مرمياً, وكتاب التفسير, والحديث وغيرها بلا مبالاة وغيرها من الكتب الدراسية فلا كتاب إلا ويبدأ بالبسملة , مع احتوائها على لفظ الجلالة والآيات القرآنية,والآحاديث،بل يرمى بعضها يرمي في القمامة العياذ بالله, إن أردت إلا الرمي وعدم الاحتفاظ بها، والاستفادة منها, فسلمها إلى المدرسة,وإن شئت فضعها في الحاويات الخاصة بالأوراق.


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:


المخالفة العاشرة: ما يحصل فيه أذية للغير من التفحيط، أو المعاكسات وغيرها من فتن الطلاب والطالبات، فينبغي الحذر والتحذير.

عباد الله إن مشكلة التفحيط وما يتبعه من المفاسد من إتلاف الأموال وإزهاق الأرواح وإقامة العلاقات المحرمة والشذوذ الجنسي وإثارة الفوضى والقلق وتعطيل حركة السير وغير ذلك من المفاسد.
ولا شك أن من أبرز أسباب هذه الظاهرة تجمهر الطلاب على الأرصفة وجوانب الشوارع بعد خروجهم من الاختبارات.

وإذا كانت الجهات الأمنية المسؤولة تقوم بدور بارز مشكور في منعهم إلا أن المسؤولية أيضاً على الأسرة في توجيه أبنائها وبناتها وتربيتهم على سرعة العودة إلى المنزل بعد الخروج من المدرسة،ومتابعتهم ثم بمحاسبتهم عند التأخر، إن هذا التجمع يعرض أبناءكم لتعلم التدخين والتعرض للمروجين الذين ينتشرون في هذا الوقت بالذات، والتعرض لأصحاب الشذوذ والعياذ بالله كما يعرضهم لخطر الموت دهساً تحت عجلات المفحطين، فلا تتساهلوا أيها الآباء والأمهات في الأمر فإنه جد خطير، هو وقت قصير في حساب الزمن لكنه يكفي لتغيير مسار حياة الولد تغييراً جذرياً إلى أقصى درجات السوء والانحراف والعياذ بالله.

هذا ما تيسر , ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق , وهذه المخالفات تقع في الاختبارات وغيرها, ولكنها تكثر زمن الاختبارات.

اللهم أنَّ نسألك أن تحمينا وأبناءنا وبناتنا وبلادنا وبلاد المسلمين عامة من كل سوء إنك جواد كريم.
اللهم نسألك لأبنائنا وبناتنا النجاح والتوفيق في دراستهم وأن تمسكهم بعقيدتهم النقية وأخلاقهم الحميدة، وأن تجنبهم مناهج الردى وطرقَ الرذيلة.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم ابتاعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

منقول
 
التعديل الأخير:
إنضم
26 يوليو 2013
المشاركات
17,243
مستوى التفاعل
4
الإقامة
طرابلس
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

إن صلُحت الصلاة صلُح العمل كله
 

zxc

إنضم
17 فبراير 2015
المشاركات
96,551
مستوى التفاعل
58
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بارك الله فيك
وفي ميزان حسانتك
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

امين
جزاكم الله خيرا
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات


خطبة الجمعة عنوانها

القدس والمسجد الأقصى
الحمد لله فالق الحب والنوى،ومحيِّ العظام بعد الموت والبِلى،ومُنْزِلِ القطرِ والندى،أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التترى آلاءه العظمى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من وطئ الثرى،إمام التقى وعنوان الهدى فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء،ما تحقق لأمة الإسلام نصر أو بدا،وما تمسك عبد لله بدين الله ولنبيه اقتفى . أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المذنبة أولاً بتقوى الله في السر والعلن فهي سبب المدد من الواحد الأحد بأسباب النصر على الأعداء يقول الباري جلت قدرته :{بلى إن تَصْبِروا وتتقوا ويَأْتُوكُمْ من فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ الآفٍ من الملائِكةِ مُسَوِّمِينَ}ويقول سبحانه:{..وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(1) ،
يَعيثُ بأَرضِنا قِردٌ حَقيرٌ *** وخِنْزِيرٌ تَذَأَّبَ مُسْتَهِينا
يَدُوسُ القدسَ وا أسفا جهاراً *** وَحَوْلَ رُبُوعها قومي عِزِينا؟
وَثَمَّ المسجدُ الأقصى يُنادي *** وَيَصْرُخُ في جموعِ المسلمينَا
ولكن لا ترى إلا نَؤُوماً *** تغافلَ عن نداءِ الصَّارخينا
ولا تلقى سو لاهٍ ضحُوكٍ *** كأنَّ القومَ مِنْ شكْرٍ عَمُونا
أمة العزة والإباء إن للأجيال أمانة في أعناقنا ألا تُنسى القدس والمسجد الأقصى ومكانتهما في هذه الأمة،فالمسجد الأقصى ليس شأناً فلسطينيا خاصاً وإنما هو شأن الأمة الإسلامية جمعاء،فتاريخ المسجد الأقصى هو تاريخ الأنبياء من لدن أدم عليه لسلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي عرج به إلى السماء من ذلك المكان المبارك،وفي كل صلاة نذكره لأن الصلوات إنما فرضت في تلك الرحلة المباركة، فالمسجد الأقصى يمثل تاريخ التوحيد الذي كان الإسلام آخر حلقاته؛وإن كانت كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى فإن لبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين ذكرها ابن حجر في الفتح،و إن أول من سكن القدس قبائل الكنعانيين من العرب وسموها بأول اسم لها وهو (أور-سالم) أي مدينة السلام،وأخذ اليهود هذا الاسم وحرفوه كعادتهم ووضعوه في التوراة باسم أورشليم ،ومن أسماء القدس إيلياء وهو اسم جد عائلة الإمبراطور الروماني (هدريان)، وجاء هذا الاسم في العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل القدس،وذكرها صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء والمعراج باسم بيت المقدس ،وهي أرض مباركة نص القرآن على بركتها في أكثر من موضع منها:قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..}(2)وقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}وقوله:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وقد وردت عدة أحاديث نبوية في فضل المسجد الأقصى منها:ما أخرجه الأمام أحمد أَنَّ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: ((أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَتْ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ)) ، وأخرج أيضاً في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا أَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ فَسَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ)) ، وفي رواية أبي داود: ((مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتُهُمَا قَالَ))، وأخرج عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس))،بل هو أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال،أخرج البخاري والإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى))،وهو مسجد تضاعف فيه الصلوات،ولاتضاعف إلا في مسجد ذي فضل، أخرج البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه ((الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة،والصلاة في مسجدي بألف صلاة،والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة)) قال البزار إسناده حسن.كان أول عهد القدس بالفتح الإسلامي في عهد الفاروق رضي الله عنه ورفض أهلها إلا أن يسلموا مفتاح المدينة لعمر بن الخطاب شخصياً فلما جاءه الخبر ركب إليهم ولم يبدل من مظهره ولا من مركبه لأن عزة الإسلام كانت تملأ قلبه فتنعكس على محياه هيبة وإجلالاً،فَقَدِمَ عليهم بثوبه المرقع أخذاً بلجام دابته التي يركب عليها مولاه،وهو يخوض في الطين رضي الله عنه فتسلم المفتاح وكتب لأهلها العهد المشهور ودخل دخول الفاتحين،ولما دخل بيت المقدس وجد على الصخرة زبالة عظيمة لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها،مقابلة لليهود الذين يصلون إليها،فأمر بإزالة النجاسة عنها،وكانت الصخرة مكشوفة حتى عهد الوليد بن عبد الملك الذي بنى القبة عليها،وكان أول سقوط للقدس في أيدي الصليبين في عام 492هـ حيث سلم القائد الفاطمي افتخار الدولة أخزاه الله القدس ودفع أيضاً مبلغاً من المال للقائد الصليبي ريموند مقابل الإبقاء على حياته وحرسه الخاص،وترك الصليبيين يذبحون أهل القدس حيث قتلوا بالمسجد وحده مايزيد على سبعين ألفاً حتى دخل قائدهم وهو يتلمس الطرق بين الجثث والدماء التي بلغت ركبته،وغير المجرمون من معالم المسجد فجعلوا جزء منه كنيسة وجزء سكناً لفرسانهم وبنوا بجواره مستودعا لأسلحتهم،أما مسجد الصخرة فحولوه إلى كنيسة ونصبوا فوق القبة صليباً كبيراً وانظروا إلى الفرق بين اليوم الذي تمكن فيه المسلمون حيث كان يوم أمن وأمان ويوم أن تمكن الصليبيون كيف جعلوه يوم موت ودماء ثم قيض الله للمسجد الأقصى المبارك القائد المؤمن صلاح الدين الأيوبي وكانت عودة المسجد الأقصى إلى مكانها الطبيعي في حيازة المسلمين يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب عام خمسمائة وثلاث وثمانون للهجرة،واستمر في عز المسلمين حتى كانت المؤامرة الدولية على الأرض المباركة وتسليمها لليهود،وقد فطن أهل فلسطين للمؤامرات من بدايتها وكانت هناك تضحيات وقصص عجيبة وكانت حرب 67م التي احتلت فيها دولة اليهود الجزء الشرقي من مدينة القدس ودأب الشبان الإسرائيليون على اقتحام المسجد الأقصى والرقص والغناء وإقامة الحفلات الخلاعية والاعتداء على المصلين فيه،ثم كان إحراق المسجد الأقصى في 21/8/1969م،واستبسل أهل القدس في إطفاء الحريق رغم محاولات اليهود تعطيلهم،واستمرت الحفريات لغرض هدم المسجد الأقصى،وهاهم إخواننا هناك مازالوا يعانون من بطش اليهود وظلمهم ولكن الله غالب على أمره.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل بعد الضيق مخرجاً وبعد الهم فرجاً وبعد العسر يسراً،أحمده سبحانه وأشكره على عظيم حكمته وتدبيره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل مع العسر يسراً،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دل أمته على طريق النصر والعز والتمكين .أما بعد:
فيا أمة العزة والإباء إن تربية الأولاد من بنين وبنات على أن يعيشوا هموم أمتهم وأن يشعروا بأن المسلمين جسد واحد فيه عز هذه الأمة،فلاشك أن هناك فرق كما بين السماء والأرض بين من نشأ لا يهتم إلا بشهواته ورغباته،وبين من نشأ وقلبه يعتصر ألما على أحوال أمته فيسعى للصلاح،فلنجعل قضية القدس حاضرة في قلوب أبنائنا ولنربي في كل واحد منهم أنه صلاح الدين المنتظر،وذكروهم بوعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :(( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ)) أعلموهم أنه لن يتحقق ذلك فيهم بالتمني وإنما بطاعة الله والاستقامة على دينه،ولعل في النماذج التي يقدمها إخواننا في فلسطين وغيرها خير مثال على ذلك فهذا طفل من الأردن اسمه البراء حمدان عمره لا يتجاوز الثانية عشر عبء حقيبته المدرسية بالحجارة وحمل معه المصحف وزجاجة ماء وعدة سكاكين وانطلق صوب فلسطين يبغي الشهادة صعد خمس جبال وهبط منها وعند هبوطه من الخامس زلت قدمه فسقط مغشياً عليه فوجده أحد البدو من سكان المنطقة وأعاده إلى أهله وسط مشاعر الندم التي تملكت ذلك الطفل أنه لم ينل الشهادة ،وهذا الطفل محمد يوسف من خان يونس لا يتجاوز عمر اثني عشر عاماً خرج يطلب الشهادة ثلاث مرار فلم يرزقها في مواجهاته مع العدو وفي المرة الرابعة اغتسل وصلى الفجر واستأذن أمه ثلاث مرار أن تأذن له بالخروج والمشاركة في مواجهة العدو ولكنها ترفض خوفاً عليه لكنه استحلفها في الرابعة وقال لها : (يا أماه أريد أن أموت شهيداً ) وخرج مع شروق الشمس لمواجهة العدو بالحجارة فأكرمه الله بالشهادة(2)،وإنَّ لنقول لليهود إن الأرحام التي ولدت صلاح الدين لم تعقم بعد عن إنجاب مثله وهذه النماذج هي مقدمات ذلك،وحتى ذلك الحين فلا أقل من الدعاء لإخواننا بالنصر والتمكين،فتعاهد ابنك ولا تدع يمر عليه يوم دون أن يدعو لهم،لاسيما إن كان صغيراً لم يجر عليه القلم بعد بالذنوب اغرسوا في وجدانهم القاعدة الربانية التي وضعها العليم الخبير بقوله:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.
أيُّ سلمٍ وعلى الأقصى يدٌ *** تَعْصِرُ الحقدَ وتُسقي الشرفاء ؟
حجرُ (القدسِ) صحا منتفضاً *** ثم نادى مشرئباً في إباء!
واصلوا السير،وشقوا دربكم *** فإلى الفوز وإلا للفناء ؟
حقُنا القدس وإنَّ أهلها *** وعلى الغاصبِ تنفيذُ الجلاء !
وطنُ الإسلام لن نرخصه *** ولنا النصرُ إذا ما الله شاء !!

------------------
(1) آل عمران:120. (2) القصتان من مجلة المجتمع العدد(1422)وتاريخ19_25 رجب1421هـ السنة 31.ص34-35.

المصدر صيد الفوائد
 
إنضم
26 يوليو 2013
المشاركات
17,243
مستوى التفاعل
4
الإقامة
طرابلس
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

جزاك الله كل خير
أخي الكريم كل الأحداث والمحن التي تمر بها أمتنا العربية الآن هي لصرف الأنظار عن مايحاك لفلسطين والقدس الشريف ولتدمير الآلة الحربية العربية حتى لاتشكل خطرا على الكيان الصهيوني الغاصب وإلا فما سر تواجد الروس والأميركان سوية في سوريا ؟!
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

خطبة الجمعة عنوانها الاشهر الحرم

الخطبة الاولى


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نحمدُهُ سبحانَهُ ,وتعالى ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا ند ولا مثيل له سبحانه ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،

وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ، بلغ الرسالة وأدى الامانة ونصح الامـة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين ،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى هذا النبي الامى وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، اللهم آمين آمين آمين
أما بعد:
عبـاد الله فإني أوصيكم ونفسي الخاطئه بتقوى الله العظيم وطاعتِهِ، في السروالعلن وأحذركم وأحذر نفسي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه:
بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم:

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” ﴿102﴾ آل عمران

” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ” ﴿١﴾ النساء
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿٧٠﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ” ﴿٧١﴾ الاحزاب
عباد الله ، لقد خلق الله عز وجل الأزمنة والأوقات وفضل بعضها علي بعض
فأفضل الاوقات وقت السحر ، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل أيام الاسبوع يوم الجمعة ، وأفضل أيام العام العشر من ذى الحجة ، وأفضل أيام العشر من ذى الحجة يوم عرفة ، وأفضل الشهور عند الله سبحانه وتعالى هي اﻷشهرالحرم
قال تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}
❄ والأشهر الحُرُم هي:

  • شهر رجب مضر الذى هو قبل شعبان وهو منفصل عن الثلاثة أشهر الحرم التالية بثلاثة أشهر
  • ثم شهر ذو القعدة والذى نعيش أوائل ايامه وننهل من نفحاته الآن فقد شرفنا بدخوله أول أمس الاربعاء
  • وذو الحجة وهو الشهر التالي له وهو ايضا شهر الحج الاكبر الذى تشد فيه الرحال الى عرفات والبيت الحرام
  • ورابعها شهر المحرّم الذى يلي ذو الحجة وبه ينتهي عام هجرى ليستقبل المسلمون عاما هجريا جديدا
❄ وسميت الأشهر الحُرُم بالحُرُم:

  • لعظم حرمتها ،،
  • وحرمة الذنب فيها ،،
فالمعصية في هذه الأشهر الحرم أعظم من المعصية في غيرها ـ وإن كانت المعصية محرّمة في كل وقت ـ كما أن الحسنات فيها مضاعفة.
هذا وقد حذرنا الله في كتابه العزيزفي سورة التوبة من أن نعصيه فقال سبحانه:
” إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴿٣٦﴾” التوبة
❄ وأنت الآن وقد دخل علينا ذو القعـدة ثاني الأشهر الحرم ماذا تحتاج ؟؟
ــ تحتاج أن تعلم أن الله حكيم خلق كل شيئ بحكمة وفضل الاشياء علي بعضها ايضا بحكمة:
ــ فالله تعالى لحكمة منه اختار هذه الأشهر الحُرُم وميّزها وجعل لها زيادة فضل.
وإيمانك بأن الله (حكيم) يجعلك تبحث .. كيف يجب أن يكون حالي في هذا الأمر الذي اختاره الله وفضله علي غيره؟؟
وماذا يجب علي أن أفعلَ فيه لأنالَ رضا الله والفوز يوم القيامة؟؟
ولا تقل لماذا ميّز الله هذا علي هذا وما هي الحكمة في ذلك وتشغل نفسك وتضيع وقت بما لا نفع فيه ولا جدوى؟!
❄ فالعقول السليمة السوية تتعامل مع الأشياء النافعة بصورة الانتفاع وليس بصورة الاعتراض
ــ فالواجب علينا أن نسأل ماذا نفعل ؟؟ وكيف ننتفع أكبر انتفاع ؟؟ بل وكيف أفيد الآخرين ؟؟
ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : بلغوا عني ولو آيه
وحديثه هذا لك وللامـة الاسلاميه جمعاء
❄ نحن في حاجة أن نفهم مسألة هامــة جدا

  • مسألة مضاعفة الحسنات
  • ومسألة تعظيم السيئات
ــ إن الحسنات تـُضاعف على حسب ما قام في قلبك،
فإن تدخل الشهر الحرام وأنت معظّم للشهر، … فتجمع مع العمل الصالح تعظيمك للشهر.
قال تعالى: ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم”
معناها:
لا تنتهكوا حرمة الشهر بالوقوع في الذنوب الكبيرة أوالصغيرة قصدا أوتساهلا بأوامر الله عز وجل.
قال تعالى:
وإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ، قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ، قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿١٢٤﴾ البقرة
وقد جاء في أول الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ..
قال الطبري: “الظلم :
العمل بمعاصي الله أى عدم كبح النفس عن شهواتها … والترك لطاعة الله ”
❄ إذن فالظلم له شقان:
ــ ظلم للنفس بتفويت العمل الصالح في الزمن الذى فضله الله .. فهذا زمن مختلف … هذا زمن معظّم عند الله
ــ ظلم للنفس بفعل المحرّمات في هذا الزمن الذى فضله الله … فهذا زمن معظّم عند الله
❄ أخي الحبيب المطلوب منك تحقـيق أمور منها:

  1. إلإلتزام بحدود الله
أي لا يقع منك تعدٍ لها وتركٌ لتعظيمها.
فمن أسباب موت القلب ترك تعظيم الله و تعظيم شعائره ، ولو عظّمت الله ستلزم الحدود ،
قال تعالى في سورة الحج:
” ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ” ﴿30
وقال أيضا: ” ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢

  1. الاهتمام بالفرائض
فليس المطلوب منك أن تأتي بأشياء جديدة وغريبة لتعملها ،،
بل اهتم بما فرضه الله عليك .. وأهمها الصلاة ، فهي عمود الدين، وهي فرض يتكرر عليك ..
فإتقانها مهم .. تبذل جهدك فيها ،، وتحتاج منك إلى مزيد عناية في هذا الشهر وفي غيره ..
قال تعالى في سورة البقرة:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ ، إِنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١١٠
لقد قال الله تعالى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ولم يقل ..وادوا .. أو وافعلوا أو .. واعملوا الصلاة
لأن في لفظ الاقامة دلالة على الاعتناء بالصلاة وتحقيق اركانها وشروط صحتها
فهجر الاعتناء بالصلاة أمر واضح !
وهجر إطالة السجود والانكسار والذل أمر واضح !
هجر العناية بالفاتحة وجمع القلب في (إياك نعبد وإياك نستعين) أمر واضح !
وهجر الاعتناء باستهداء الله في (اهدنا الصراط المستقيم) أمر واضح !
،،، فالاتـقان في أداء الفريضة مطلوب ومعني اهتمامك بالفرائض يعني :
حضور قلبك في حضرة الله.. ذلّك وانكسارك له سبحانه .. إطالة السجود لتحقيق العبودية لله.. كل هذا مما ينفعك الله به
،،، ثم أتقن ما حولها من النوافل ..
لا تستهِن بالنوافل ؛ بل زِد إيمانك بالتشبث بأدائها والإكثار منها.
،،، ومن النوافل المتعلقة بالصلاة:
التسبيح بعدها .. وكذلك السنن الرواتب .. فحافظ عليها .

  1. اجتناب المحارم
اجتنب كلّ ما حرّمه الله .. فالذنوب والمعاصي في الأشهر الحرم حرمتها عظيمة ، فالمعصية في هذه الأشهر أعظم من المعصية في غيرها كما أسلفنا
ــ وعظمتها تأتي:

  • من جهة الذنب نفسه
  • ومن جهة عظمة الشهر
والوقوع في الذنوب والمعاصي له صورتان:
ــ صورة يكون الوقوع في الذنب مرتّب له ومخطط له
ــ وصورة يكون الوقوع في الذنب غير مرتّب له وإنما يقع كيفما وقع ..
وهذان النوعان من الذنوب لابد من اجتنابهما

  1. أدّ الحقوق
حقوق الآباء ،، حقوق الزوجة ،، حقوق الأبناء ،، حقوق الأرحام ،، حقوق الجار ،، حقوق المسلمين عموما” .. فلا تهمل هذه الحقوق ..فإهمال الحقوق ظلمٌ وكما اشرنا فالظلم مُحرم والظلم ظلماتٌ يوم القيامة كما جاء بالحديث الشريف.

  1. والجامع لهذا كله:
لكي لا تقع في الظلم في الأشهر الحُرُم أو في غيرها لابد أن تكون مستحضرا عظمة الله عز وجل معظما لشعائره
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم …

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ،

اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى وراقبُوهُ فِي السِّرِّ والنَّجْوَى … وعظموا شعائره واتمروا بأوامره وانتهوا بنواهيه قال تعالي: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١٠﴾ الفتح
وقَالَ تَعَالَى: ” إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”

  • اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابِةِ الأَكْرَمِينَ، وامهات المؤمنين وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وعلينا معهم يارب العالمين.

  • اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ دَيْنًا إِلاَّ قَضَيْتَهُ، وَلاَ مَرِيضًا إِلاَّ شَفَيْتَهُ، وَلاَ مَيِّتًا إِلاَّ رَحِمْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً إِلاَّ قَضَيْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،
    • رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
    • اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ لَنَا وَلِوَالدينَا، وَلِمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
    • اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جَهَنَّم، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْر، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المسِيحِ الدَّجَّال، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحْيَا والممَات.
    • اللَّهُمَّ اغفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، انك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين
    • اللَّهُمَّ َأَدْخِلِ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَكل مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ.
    • اللَّهُمَّ احْفَظْ بلاد المسلمين مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ.
    • اللهم انصر اخواننا المسلمين المستضعفين في انحاء العالم وكن لهم واحفظهم من شرور اعدائهم
    • اللهم تمم نصر اخواننا في فلسطين … اللهم ايدهم واجمع شملهم ووحد كلمتهم وارفع رايتهم وقوى شوكتهم ، اللهم اعنهم علي بناء ما فقدوه | احفظهم رجالا ونساءا … شيوخا وشبابا واطفالا | اللهم اجعلهم على عدوهم ظاهرين |
    • اللهم أهلك اعداءهم المغتصبين المعتدين .. اللهم عليك بكل من ساندهم وكل من عاونهم، بالقول او الفعل ، من الخونة والمنافقين والافاكين والفسدة والظالمين وكل من عادى الاسلام والمسلمين … اللهم آمين .. آمين .. آمين
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ،
وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ


المصدر الرحيق
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بِسمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحِيم
السلام عليكم
الخطبة الاولى

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُوَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي فَرَضَ الحَجَّ وجَعَلَ لَهُ مِيزَةً لَيْسَتْ في غَيْرِهِ مِنَ الفَرائِضِ، فَمَنْ كانَ حَجُّهُ مَبْرُورًا رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَكانَ ذَنْبُهُ مَغْفُورًا وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَحَبِيبَنا وَعَظِيمَنا وَقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا محَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ هادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا فَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا محمدٍ وَعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ. يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى في كِتابِهِ العَزِيزِ ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾سورة ءال عمران/97
ويَقُولُ ﴿الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾سورة البقرة/197.
اللهُ تَبارَكَ وتَعالى فَرَضَ عَلَيْنا الحَجَّ عَلى الْمُسْتَطِيعِ مِنّا فَهُوَ فَرْضٌ بِالإِجْماعِ عَلى الْمُسْلِمِ إِذا كانَ حُرًّا بالِغًا عاقِلاً مُسْتَطِيعًا. فَإِنْ كُنْتَ يا أَخِي الْمُسْلِمَ قادِرًا عَلى نَفَقَةِ الحَجِّ بِما يُوصِلُكَ ويَرُدُّكَ إِلى وَطَنِكَ زِيادَةً عَنْ دَيْنِكَ وعَنْ ما تَحْتاجُهُ لِمَسْكَنِكَ وكِسْوَتِكَ اللائِقَيْنِ بِكَ ومُؤْنَةِ زَوْجَتِكَ وأَوْلادِكَ الصِّغارِ وغَيْرِهِمْ مِمَّنْ عَلَيْكَ نَفَقَتُهُمْ مِنْ مَسْكَنٍ وكِسْوَةٍ وطَعامٍ مُدَّةَ ذَهابِكَ إِلى الحَجِّ ورُجُوعِكَ مِنْهُ فَإِنَّكَ مُسْتَطِيعٌ يَجِبُ عَلَيْكَ الحَجّ، وأَمّا غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ الحَجُّ ولَكِنْ لَوْ حَجَّ صَحَّ حَجُّهُ.
فَإِنْ عَزَمْتَ عَلى الحَجِّ فَٱعْلَمْ أَنَّ لِلْحَجِّ شُرُوطًا وأَرْكانًا وواجِباتٍ ومُحَرَّماتٍ يَجِبُ تَعَلُّمُها عَلى مَنْ أَرادَ الدُّخُولَ في هَذا العَمَلِ لِأَنَّ الجَهْلَ بِها قَدْ يُوقِعُكَ في أَمْرٍ يُفْسِدُ حَجَّكَ وأَنْتَ لا تَدْرِي ولِذَلِكَ قالَ العُلَماءُ إِنَّهُ يَجِبُ عَلى مَنْ أَرادَ الدُّخُولَ في شَىْءٍ أَنْ يَعْلَمَ ما يَحِلُّ مِنْهُ وما يَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيه، نَسْأَلُ اللهَ تَعالى أَنْ يُفَقِّهَنا في الدِّين.
ويَجِبُ تَعَلُّمُ هَذِهِ الأُمُورِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ ولَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْمُطالَعَةِ في الكُتُبِ فَكَمْ مِنْ أُناسٍ قَرَأُوا الكُتُبَ مِنْ غَيْرِ تَلَقٍّ عَلى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَضَلُّوا وأَضَلُّوا إِمّا لِخَطَإٍ فِيها وإِمّا لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ لِعِباراتِهمْ عَلَى الوَجْهِ الصَّحِيحِ كَما يُحْكَى أَنَّ رَجُلاً رُئِيَ يَطُوفُ ومَعَهُ سِكِّينٌ وفَأْرٌ فَلَمّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قالَ هَكَذا قَرَأْتُ في بَعْضِ الكُتُبِ فَلَمّا جُلِبَ الكِتابُ اتَّضَحَ أَنَّهُ أَخْطَأَ في القِراءَةِ والأَصْلُ أَنْ يَطُوفَ بِسَكِينَةٍ ووَقَارٍ.
وها نَحْنُ اليَوْمَ في أَشْهُرِ الحَجِّ الْمُبارَكَةِ والآلافُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَهَيَّأُونَ لِزِيارَةِ البَيْتِ الحَرامِ وقُلُوبُهُمْ مُشْتاقَةٌ لِلْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى ولِزِيارَةِ تِلْكَ البِقاعِ الطَّيِّبَةِ فَلْتَكُنْ خُطْبَتُنا اليَوْمَ عَنْ بَيانِ بَعْضِ أَحْكامِ الحَجّ.
الحَجُّ إِخْوَةَ الإِيمانِ لَهُ سِتَّةُ أَرْكانٍ مَنْ تَرَكَ واحِدًا مِنْها لَمْ يَصِحَّ حَجُّه. وأَوَّلُ هَذِهِ الأَرْكانِ الإِحْرامُ وذَلِكَ كَأَنْ تَقُولَ في قَلْبِكَ أَدْخُلُ في عَمَلِ الحَجِّ أَوْ نَوَيْت الحَجَّ وأَحْرَمْتُ بِهِ للهِ تَعالى. ولا يَصِحُّ الإِحْرامُ بِالحَجِّ إِلاَّ في أَشْهُرِ الحَجِّ الَّتِي قالَ فِيها رَبُّنا ﴿ الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ وهِيَ شَوّالُ وذُو القَعْدَةِ وعَشْرُ لَيالٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ فَمَنْ أَوْقَعَ نِيَّتَهُ قَبْلَ هَذا انْعَقَدَتْ نِيَّتُهُ عُمْرَةً.
وأَمَّا الرُّكْنُ الثانِي مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الحاجُّ في جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ ولَوْ لِلَحْظَةٍ مِنْ زَوالِ شَمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلى فَجْرِ لَيْلَةِ العِيدِ ولَوْ كانَ الحاجُّ نائِمًا أَوْ راكِبًا أَوْ مارًّا ولَمْ يَمْكُثْ فِيه.
والرُّكْنُ الثالِثُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ الطَّوافُ بِالبَيْتِ أَيِ الكَعْبَةِ سَبْعَ مَرّاتٍ سائِرًا أَمامَكَ جاعِلاً البَيْتَ عَنْ يَسارِكَ مُبْتَدِئًا بِالحَجَرِ الأَسْوَد. ولِصِحَّةِ الطَّوافِ أَيْضًا يُشْتَرَطُ سَتْرُ العَوْرَةِ والطَّهارَةُ عَنِ الحَدَثَيْنِ والنَّجاسَةِ لِأَنَّ الطَّوافَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلاةِ إِلاَّ أَنَّهُ يَحِلُّ فِيهِ كَلامُ النّاسِ كَما أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.
والرُّكْنُ الرابِعُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ السَّعْيُ سَبْعًا بَيْنَ الصَّفا والْمَرْوَةِ وهُما بُرُوزانِ مِنْ جَبَلَيْنِ، فَٱبْدَأْ أَخِي الحاجَّ سَعْيَكَ مِنَ الصَّفا حَتَّى تَنْتَهِيَ بِالْمَرْوَةِ فَتُحْسَبُ هَذِهِ واحِدَةً، ثُمَّ ارْجِعْ مِنَ الْمَرْوَةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ بِالصَّفا وهَذِهِ تُعَدُّ ثانِيَةً، وهَكَذا حَتَّى تَنْتَهِيَ مِنَ الْمَرَّةِ السابِعَةِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ. لَكِنْ تَنَبَّهْ أَخِي الحاجَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوافٍ ولَوْ كانَ طَوافَ القُدُوم. ولا يَصِحُّ السَّعْيُ إِلاَّ في الْمَكانِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ لِلسَّعْيِ فِيهِ بِالإِجْماعِ فَلا يَصِحُّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفا والْمَرْوَةِ في هَذِهِ الزِّيادَةِ الَّتِي جُعِلَتِ اليَوْمَ فَإِنَّها خارِجَةٌ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ فَمَنْ أَرادَ صِحَّةَ سَعْيِهِ فَلْيَسْعَ في الْمَوْضِعِ القَدِيمِ في الطَّوابِقِ العُلْيا أَوِ الطابَقِ السُّفْلِيِّ.
والرُّكْنُ الخامِسُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ هُوَ الحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ والحَلْقُ لِلرِّجالِ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ لِحَدِيثِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قِيلَ ولِلْمُقَصِّرِينَ يا رَسُولَ اللهِ فَأَعادَها ثَلاثًا ثُمَّ قالَ وَلِلْمُقَصِّرِينَ اهـ أَمّا النِّساءُ فَيُقَصِّرْنَ ولا يَحْلِقْنَ شُعُورَ رُؤُوسِهِنَّ. والحَلْقُ هُوَ اسْتِئْصالُ الشَّعَرِ بِالْمُوسَى وأَمّا التَّقْصِيرُ فَهُوَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الشَّعَرِ شَىْءٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصالٍ. لَكِنِ انْتَبِهْ أَخِي الحاجَّ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ الحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ أَوْ نَتْفُ شَعْرَةٍ قَبْلَ النِّصْفِ الثانِي مِنْ لَيْلَةِ العِيدِ فَلا يَكُونُ جائِزًا مُجْزِئًا لَكَ عَنِ الرُّكْنِ إِلاَّ في وَقْتِه.
وأَمّا الرُّكْنُ السادِسُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ فَهُوَ التَّرْتِيبُ في مُعْظَمِ الأَرْكانِ لِأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الإِحْرامِ عَلَى الكُلِّ وتَأْخِيرِ الطَّوافِ والحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ عَنِ الوُقُوف.
ولِلْحَجِّ إِخْوَةَ الإِيمانِ واجِباتٌ مَنْ تَرَكَها أَثِمَ لَكِنْ لا يُفْسِدُ تَرْكُها حَجَّهُ بَلْ تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ عَلى تَفْصِيلٍ يَتَعَلَّمُهُ مُرِيدُ الحَجّ. وهَذِهِ الواجِباتُ هِيَ أَنْ يُحْرِمَ مُرِيدُ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ مِنَ الْمِيقاتِ أَيْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِكُلِّ بَلَدٍ لِيُحْرَمَ مِنْهُ فَيَسْأَلُ مُرِيدُ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ عَنْ مِيقاتِ بَلَدِهِ لِئَلاَّ يَتَجاوَزَهُ مِنْ غَيْرِ إِحْرام.
ومِنَ الواجِباتِ أَيْضًا الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ ولَوْ وَقْتًا قَصِيرًا وكَذا الْمَبِيتُ بِمِنًى مُعْظَمَ اللَّيْلِ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ إِنَّ الْمَبِيتَ فِيهِما لا يَجِبُ بَلْ هُوَ سُنَّة.
ومِمّا يَجِبُ عَلى الحاجِّ رَمْيُ جَمْرَةِ العَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَياتٍ ويَدْخُلُ وَقْتُها بِمُنْتَصَفِ لَيْلَةِ العِيدِ لا قَبْلَهُ فَإِنْ رَمَى قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ. ثُمَّ في كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةِ وهِيَ الحادِيَ عَشَرَ والثانِي عَشَرَ والثالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ يَجِبُ عَلى الحاجِّ رَمْيُ الجَمَراتِ الثَّلاثِ كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَياتٍ يَرْمِيها حَصاةً حَصاةً فَلَوْ رَمَى السَّبْعَةَ دُفْعَةً واحِدَةً لَمْ تُجْزِئْه.
وٱعْلَمْ أَخِي الحاجَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلى الْمُحْرِمِ أَشْياءُ حالَ إِحْرامِهِ مِنْها التَّطَيُّبُ كَأَنْ يَضَعَ الطِّيبَ عَلى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ، ومِنْها دَهْنُ الرَّأْسِ واللِّحْيَةِ بِنَحْوِ زَيْتٍ وكَذا إِزالَةُ ظُفْرٍ وشَعَرٍ، ويَحْرُمُ أَيْضًا القُبْلَةُ واللَّمْسُ والْمُعانَقَةُ بِشَهْوَةٍ ولَوْ لِزَوْجَتِهِ. كَما أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلى الرَّجُلِ لُبْسُ ما يُحِيطُ بِبَدَنِهِ بِنَحْوِ خِياطَةٍ كَقَمِيصٍ وسِرْوالٍ وأَمّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَها لُبْسُ ذَلِكَ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْها سَتْرُ وَجْهِها بِما يَقَعُ عَلى وَجْهِها ولُبْسُ قُفّازٍ.
وٱنْتَبِهْ أَخِي الحاجَّ فَإِنَّ الجِماعَ حَرامٌ عَلى الْمُحْرِمِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ مِنْ إِحْرامِهِ تَحَلُّلاً تامًّا بِأَنْ يَطُوفَ طَوافَ الفَرْضِ ويَرْمِيَ جَمْرَةَ العَقَبَةِ ويَحْلِقَ شَعَرَهُ أَوْ يُقَصِّرَهُ فَإِنْ جامَعَ قَبْلَ فِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ أَعْنِي طَوافَ الفَرْضِ ورَمْيَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ والحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ فَقَدْ عَصَى رَبَّهُ وأَفْسَدَ حَجَّهُ ولَزِمَهُ أَنْ يَمْضِيَ في هَذا الحَجِّ الَّذِي أَفْسَدَهُ ثُمَّ يَقْضِيَ مِنَ السَّنَةِ القابِلَةِ وزِيادَةً عَلى ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَنَةٍ وهِيَ أُنْثَى الجَمَلِ ويُطْعِمُ مِنْها فُقَراءَ الحَرَم.
ويَحْرُمُ عَلى الْمُحْرِمِ أَيْضًا صَيْدُ الْمَأْكُولِ البَرِّيِّ والوَحْشِيِّ. فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّماتِ فَعَلَيْهِ الإِثْمُ والفِدْيَةُ عَلى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ العُلَماءُ.
فَمَنِ اسْتَوْفَى الأَرْكانَ والواجِباتِ وٱجْتَنَبَ الجِماعَ وكَبائِرَ الذُّنُوبِ وكانَ مالُهُ الَّذِي أَنْفَقَهُ في الحَجِّ مالاً حَلالاً كانَ حَجُّهُ مَبْرُورًا داخِلاً في حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْه وسَلَّمَ مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ – أَيْ لَمْ يُجامِعْ – وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ اهـ
اَللَّهُمَّ ارْزُقْنا الحَجَّ والعُمْرَةَ وٱجْعَلْهُ مُكَفِّرًا لِذُنُوبِنا وٱرْزُقْنا زِيارَةَ الحَبِيبِ الْمُصْطَفَى وشَفاعَتَهُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
هَذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ.

الخطبة الثانية
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحمَدُهُ ونَستَعِينُهُ ونَستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سَيِّدِنا محمّدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ وعَلى إِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ وَءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبي حَنِيفَةَ ومالِكٍ والشافِعِيِّ وأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَٱتَّقُوهُ. وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾سورة الأحزاب/56. اَللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَمَا بارَكْتَ على سيدِنا إِبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ اللَّهُمَّ تَوَفَّنا وأَنْتَ راضٍ عَنّا اللَّهُمَّ وأَلْهِمْنا عَمَلَ الخَيْرِ ووَفِّقْنا إِلَيْهِ وكَرِّهْ إِلَيْنا الشُّرُورَ وٱعْصِمْنا مِنْ مُقارَفَتِها اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُداةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْراتِنا وَءَامِنْ رَوْعاتِنا وَٱكْفِنا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نَتَخَوَّفُ وٱرْزُقْنا حَجًّا مَبْرُورًا مُتَقَبَّلاً، عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذي القُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.



  1. المصدر موقع اسلام
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

خطبة فضل عشر ذي الحجة
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الخطبة الاولي
إن الحمد لله نحمده ونشكره ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ،
من يهدي الله فلا مظل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله ـ صلى الله وسلم ـ وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره وأستن بسنته إلى يوم الدين .

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون

إن من فضل الله عز وجل على عباده أن امتن عليهم بمواسم للخيرات .. جعلها أوقاتا فاضلات ..
يضاعف الله تعالى فيها الحسنات .. ويرفع الدرجات .. ويكفر السيئات .. جعلها الله تعالى ميدانا للمتنافسين .. ومضمارا يتسابق فيه المتسابقون .

وإن من أعظم هذه الأيام والمواسم ما نستقبله في يوم غد إن شاء الله تعالى من أيام عشر ذي الحجة
وقد بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضلها وعظم شانها فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
كما في الصحيحين من حديث ابن عباس ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من عشر ذي الحجة قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟! قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بذلك من شيء ) .
ولقد عوض الله تعالى أمتنا إذ قصر أعمارها عن أعمار الأمم السابقة فجعلها مابين الستين والسبعين عاما في غالب الأحيان ، فعوض الله تعالى أمتنا أن جعل لنا مثل هذه المواسم كموسم عشر ذي الحجة وموسم ليلة القدر وما شابه ذلك ، وان الإنسان إذا تأمل هذا وجد أنه ينبغي أن يستثمرها ولا يضيعها .
كان سعيد بن جبير ـ رحمه الله تعالى ـ الذي روى الحديث عن بن عباس روى حديث فضل أيام العشر :
كان إذا دخلت عليه العشر اجتهد اجتهادا عظيما حتى ما يكاد يقدر عليه ومن أراد منه شيئا لا يكاد أن يجده ولا أن يجلس معه من شدة انشغاله بالعبادات .
وكان سعيد بن جبير يقول : أيها الناس إذا أقبلت العشر فلا تطفئوا سرجكم في لياليها ولا في أيامها كناية عن كثرة قراءة القران وعن كثرة القيام والصلاة .
قال بن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ : متكلما عن أيام العشر الذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لاجتماع أمهات العبادات فيها .
ففي عشر ذي الحجة تقام عبادة الصلاة ويمكن أن تقام عبادة الصيام وأن تقام عبادة الصدقة وفيها أيضا يقع الحج لله سبحانه وتعالى .
فهي تتضمن يوم عرفة ، وتتضمن يوم الحج الأكبر الذي هو العاشر وهو يوم النحر قال بن حجر ولا يأتي ذلك في غيرها .
فلو جئت عند أيام رمضان لوجدت أنك يمكن أن تجمع في أيام رمضان عبادة الصلاة ، والصدقة ، والصيام لكنك لا تستطيع أن تجعل فيها حجا وكذلك في غيره من الأيام إلا في هذه الأيام العشر وفي هذه الأيام العشر يوم عرفة الذي هو خير يوم طلعت فيه الشمس وهو أعظم يوم يغفر فيه الله تعالى الذنوب للناس الذي يتكرر عليهم في كل عام ، وفيه يوم النحر الذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ‏ـ: ‏َإِنَّدِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌكَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ــ يعني يوم النحر العشر من ذي الحجة ـــ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) كما في الصحيح
فبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أفضل الأيام العشر هو العاشر منها
وهو يقع أيضا في شهر الحرام في شهر ذي الحجة
أيها المؤمنون لجلالة أمر هذه الأيام العشر أقسم الله تعالى بها في القران فقال الله عز وجل :
وَالْفَجْرِوَلَيَال عشر
قال بن كثير ـ رحمه الله ـ الليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة قاله بن عباس بن الزبير ومجاهد وغيرهم من السلف و الخلف .
ومن فضائل هذه الأيام العشر أنها الأيام التي صامها موسى عليه السلام متمما الثلاثين قال الله عز وجل : وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ...
لما أراد موسى أن يكلم الله جل في علاه أمره الله تعالى بالصيام فصام ثلاثين يوما صامها وهي شهر ذي القعدة
فلما أتم الثلاثين أخذ لحاء شجرة واستاك به ليطيب فمه ليكلم الباري جل في علاه فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام .
فقال الله تعالى : وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً ــ فسمى الليالي على الأيام أطلق مسمى الليالي على الأيام ـــ كما قال الله عز وجل والفجر وليال عشر ـــ تطلق على الليلة في ظلمتها وتطلق على اليوم ــ
فقال الله تعالى عن موسى : وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً ــ يعني شهر ذي القعدة ـــ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ــــ يعني العشر الأول من ذي الحجة ـــ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ...
فكلم الله تعالى موسى عليه السلام ـ في اليوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم النحر يوم الحج الأكبر الذي قام فيه النبي صلى الله عليه وسلم معظما لشانه رافعا لأمره خاطبا في أمته خطبة العصماء وعلى هذا إذ يتبين لنا أن هذه العشر كانت لها فضيلة أيضا حتى عند الأمم السابقة .

أيها الأحبة الكرام بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضل أيام العشر عموما كما في حديث بن عباس المتقدم : ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من عشر ذي الحجة
وبين الله تعالى وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيضا فضل بعض أيامها الأخرى كفضل يوم عرفة وفضل يوم النحر الذي أكمل الله تعالى فيه الدين ولأتم فيه الشريعة قال الله تعالى : ï´؟الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناًï´¾
فسر العلماء أنها نزلت في يوم النحر وعليه يكون له فضل كبير وهو يوم الحج الأكبر قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : كما في السنن ( أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم الفر ) والمقصود يوم النحر هو هذا اليوم العاشر من ذي الحجة الذي يرمي فيه الحجاج الحمرة الكبرى ويحلون فيه من إحرامهم التحلل الأول .

أيها الإخوة الفضلاء :

إن الإنسان إذا مرت عليه مثل هذه الأيام ينبغي عليه أن ينتبلها وأن ينتهزها وأن لا تمر عليه هكذا كما تمر عليه بقية الأيام بل ينبغي أن يتعبد لله تعالى فيها حق العبادة وقد جعل النبي ـ صلى الله عليه ـ وسلم لهذه الأيام العشر أحكاما من ضمنها : إذا دخلت العشر أراد أن يضحي فلا يأخذَ شيء من شعره أو أظفاره أو بشرته (سواء من ظفر يده أو من رجله) (من بشرته أي : من جلده) حتى يذبح كم ورد في صحيح مسلم وغيره من حديث أم سلمه ـ رضي الله تعالى عنها ـ

فإذا كنت سوف تضحي أي أنت المسؤول عن أضحية أهل بيتك سواء كنت أنت الأب أو كان الأب متوفى وأنت الأخ الأكبر وبالتالي أنت المسؤول عن الأضحية فإنه منذ أن تدخل الأيام العشر لا يجوز لك أن تأخذ لا من شعر راسك ولا شاربك ولا لحيتك ولا من غيره ولا تأخذ من أظفارك شيئا كما نص على ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وكذلك من كان سوف يضحي عن متوفى فلو أن إنسانا أراد أن يضحي عن أمه أو عن أبيه أو عن غيرهما من المتوفين فإنه يلزمه أيضا أن يمسك عن شعره وأظفاره منذ أن تدخل عليه العشر .
فلنفرض أن الأب أنه سيضحي عن نفسه وعن أهل بيته فهذا يمسك عن شعره و أظفاره .
ولنفرض أن زوجته سوف تضحي عن أبيها المتوفى عنده يلزمها أيضا أن تمسك عن شعرها وعن أظفارها أما إذا كانت لن تضحي عن احد فإن الإمساك عن الشعر والأظفار يلزم فقط من تعلقت به الأضحية .
وكذلك أيها الإخوة الكرام لو أن رجلا وكل ولده أن يذبح أضحيته (نفرض أن الأب سيسافر مثلا ) ووكل ولده على ذبحها وأعطاه المال وسافر الأب فإن لزوم الإمساك عن الشعر والأظفار يتعلق بمن لزمته الأضحية في الأساس والأصل وهو الأب ولا ينتقل ذلك مع وكالته لابنه بل يعتبر الابن وكيلا له كما هو وكيلا له في توزيع زكاة الفطر أو في غيرها من الوكالات كذلك هنا وإنما يتعلق بصاحب المال الأصلي ولا ينتقل إلى غيره ويظل ذلك محرما .
ويسأل بعض الناس أحيانا أنه إذا كان قد وكل بعض الجمعيات الخيرية ليذبحوا له أضحيته قول وأنا لا أدري متى سيذبحونها والغالب أيها الإخوة الكرام أن الجمعيات الخيرية لا يمر اليوم الثاني إلا وقد ذبحوا الأضحية عندها إما أن يؤكدوا لك هم أنها ذبحت أضحيتك في اليوم الأول أو قبيل الظهر أو ما شابه ذلك فإذا شككت في ذلك فلا تأخذن من شعرك ولا من أظفارك حتى ينتهي عنك إلى مغرب اليوم الثاني لأنه في الأغلب يذبح الأضاحي في هذه الجمعيات في خارج المملكة في اليوم الأول وفي اليوم الثاني .
وقد ذكر العلماء في الحكمة في منع من كان عليه أضحية من أن يأخذ من شعره وأظفاره قالوا : إن الله عز وجل لما ذكر الحجاج إلى بيته العتيق قال سبحانه وتعالى : {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْت العتيقِ..

ليقضوا تفثهم: أي لينزعوا عنهم الإحرام و ليأخذوا من شعرهم وأظفارهم كما شاءوا وذلك بعد رميهم جمرة العقبة الكبرى .
قال عز وجل : وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ يعني ليذبحوا الهدي ، وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْت العتيقِ : يعني به طواف الإفاضة
فشبه غير الحاج بالحاج فكما أن الحاج يحرم فيمسك عن شعره وأظفاره تقربا إلى الله ولا يأخذ من شعره وأظفاره إلا في اليوم العاشر كذلك من ليس حجاجا يشرع له أن يتشبه بالحاج في ذلك .
ومن كان سيحج متمتعا أو قارنا فإنه لا يلزمه أضحية فإنه لكل مرء مسؤول عن بيته أضحية واحدة فإذا كان سوف يحج فإنه سوف يذبح هديا في حجه إذا كان متمتعا أو قارنا وبالتالي تسقط عنه أضحيته .
فإذا كنت أنت ستحج هذه السنة فيجوز لك في غد وبعد غد وبعده أن تأخذ من شعرك وأظفارك .. لماذا ؟؟
لأنك لن تذبح أضحية أصلا فبما انك لن تذبح أضحية وبالتالي لا ينطبق عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا دخلت العشر أراد أن يضحي فلا يأخذَ شيء من شعره أو أظفاره ــ أنت لن تضحي أنت ستذبح الهدي وبالتالي لا يلزمك أن تمسك عن شعرك وأظفارك إلا إذا دخلت في الإحرام الحقيقي إذا دخلت في الإحرام التام يلزمك أن تتمتع عن شعرك وأظفارك في اليوم السابع أو الثامن أما قبل ذلك فليس عليك بأس فيه .
وكذلك أيها الإخوة الكرام من المسائل الهمة المتعلقة بهذا أنه من كان سيحج مفردا وبالتالي ليس عليه هدي وعليه أضحية وسيمسك عن شعره وأظفاره بداية من ظهور العشر فإذا حج مفردا فإنه لا بأس عليه إذا جاء اليوم العاشر أن يحلق رأسه حتى وإن كانت أضحيته لم تذبح في بيته ــ حتى لو قال أولاده سوف نذبح أضحيتك في اليوم الثاني ــ ما دام أنه سوف يأخذ شعره قربة لا ترفها ولا يأخذ من شعر شاربه ولا من لحيته ولا من غير ذلك من أجزاءه .
هذه أيها الإخوة الكرام عبادات يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى وسواء عرفنا الحكمة منها أم لم نعرف فنحن عبيد أرقاء بين يدي العظيم جل في علاه يأمرنا فنطيع اقتنعنا أو لم نقتنع (إِنَّمَاكَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِلِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَهُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)
فإذا كان الإنسان عرف الحكمة من الشيء فعمل فبها ونعمة لكن لا يكن طاعتك للأمر مقيدة بمعرفتك للحكمة فإذا عرفت الحكمة فأطعت وإذا لم أعرف الحكمة لن أطيع ؟ !
كلا بل تطيع أولا ثم تجتهد بعد ذلك في البحث عن الحكمة إن عرفت ذلك
يستحب أيضا في هذه الأيام العشر الإكثار من العبادات عموما خاصة ذكر الله عز وجل يقول الله سبحانه وتعالى :
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ
فذكر الله تعالى الذكر مع أن الذي يذهب للحج يشتغل بغيره من العبادات لكن الذكر لأنه أفضلها جعله الله تعالى هو الظاهر في هذه الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من عشر ذي الحجة ثم قال فأكثر فيهن من التسبيح والتكبير والتهليل فينبغي من الإنسان إذا دخلت عليه هذه العشر أن يكثروا من التسبيح والتكبير والتهليل وهي الأيام المعلومات التي ذكرها الله تعالى في القران كما ذك ر ذلك بن عباس وبن عمر وهو قول أبي حنيفة والشافعي والمشهور عن أحمد أن قول الله تعالى : وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أن المقصود بها هي أيام عشر ذي الحجة
أما كيفية هذا الذكر وما هي السنة فيه وكيف ينبغي على الإنسان أن يشتغل به وما هو المطلق وما هو المقيد منه لعلنا أن نقف على ذلك في الخطبة الثانية
أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ـ صلى الله وسلم ـ وبارك عليه وعلى آله وصحبة وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين
أما بعد أيها الإخوة الكرام :
بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الذكر في هذه الأيام له فضل كبير يقول بن القيم رحمه الله تعالى لما تكلم عن أيام العشر وعن فضل يوم عرفة قال : الأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع و الدعاء والذكر دون الصوم لأنه يضعف الإنسان قال أما الأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد لاسيما التكبير والتهليل والتسبيح فهو أفضل من الجهاد غي المتعين أفضل من الجهاد العام إلا إذا كان الجهاد متعينا قال بن القيم : فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله تعالى في ذلك الوقت والحال والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه فأفضل ما يفعل في عشر ذي الحجة الذكر سواء كان قراءة القران التسبيح التهليل الاستغفار الدعاء وما شابه ذلك هذا أفضل من غيره من العبادات فو استطعت في كل يوم أن تستغفر ألف مرة أو ألفي مرة أو عشرة آلاف مرة وأن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أن تقولها مئات المرات فبلا شك أنك على خير ما دام أنك تشتغل بمثل هذا فهي قاطنة عموما خلال السنة لكنها تتأكد في العشر من ذي الحجة .
التكبير أيها الإخوة الكرام في أيام عشر ذي الحجة كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر به أكثر مما يأمر بغيره .
تكبير الله تعالى والتكبير في العشر نوعان: تكبير مطلق وتكبير مقيد
أما التكبير المطلق : فإنه في جميع الأوقات منذ أن تدخل العشر فتشتغل بقولك الله أكبر .. الله أكبر لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد قال الشافعي وإن زاد وقال الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحدة صدق وعدة ونصر عبده وهزم الأحزاب وحدة لا إ له إلا الله والله أكبر إلى آخرة. قال الشافعي من قال ذلك فهو حسن كما نقله بن القيم في زاد المعاد فكون الإنسان يكثر من التكبير فهذه فضيلة منذ أن تدخل العشر اشتغل بالتكبير وأنت في سيارتك وأنت في مكتبك صباحا وفي الظهر وعلى أي حال كنت وأنت على فراشك وأنت على كل حال من أحوالك أكثر من هذا التكبير .
كان بن عمر وأبو هريرة وكان عمر رضي الله عنهم جميعا يبكرون إلى الحج في أيام العشر فيخرجون من اليوم الثالث أو الرابع وينصبون خياما لهم في منا فكان الواحد مهم وهو جالس في خيمته يمر الناس بالخيمة فيسمعون تكبيره فيكبرون فيسمعهم الذين وراءهم فيكبرون قالوا حتى ترتج منا تكبيرا .
وكان بن عمر يمشي في الأسواق في أيام العشر ــ يعني في أسواق مكة بين الحجاج ويقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فيسمعه الناس فيكبرون بتكبيره هذه أيها الأحبة هو شعار لهذه الأيام العشر فإذا الناس سمعوك تفعل مثل ذلك تذكروا أننا في العشر كما انه لو أعلن مثلا في رمضان أن غدا عيد وهو الثلاثين من رمضان فصليت العشاء مع الناس ثم قلت الله أكبر الله أكبر سيلتفت الناس إليك ويقولون غدا عيد ؟ فما كبرت تكبير العيد صارت شعيرة مرتبطة بيوم فعلم الناس أن هذا التكبير من شعائر العيد فسألوك فقالوا غدا عيد ؟
فكذلك ما يتعلق بأيام العشر من شعائرها الإكثار بهذا اللفظ من التكبير الكثير من التكبير المطلق من أول أيام العشر ويستمر إلى آخر أيام التشريق على الراجح من أقوال أهل العلم إذا يستمر ثلاثة عشر يوما وأيام التشريق هو الحادي عشر و الثاني عشر وعشر الثالث من أيام ذي الحجة تكبيرها مطلق كلها على الراجح من أقوال أهل العلم .
وهناك تكبير مقيد وهي أيام معينة فيجمع فيه ما بين التكبير المطلق والتكبير المقيد وهو من فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق فأنت تكبر تكبيرا مطلقا طوال الوقت فإذا دخل فجر يم عرفة إلى صلاة العصر في اليوم الثالث عشر من أيام ذي الحجة أكدت التكبير وكررته بعد الصلوات المفروضات أكثر من غيره بدأت به قبل قولك استغفرا لله اللهم أنت السلام بدأت بالتكبير لان التكبير يتحول على مقيد بهذه الصلوات أما من كان حاجا فإن التكبير المقيد يبدأ في حقه من بعد رميه لجمرة العقبة لأنه يكون مشغول قبله بالتلبية لله سبحانه وتعالى .
أيها الأحبة الكرام أما صيام هذه الأيام أعني أيام العشر فقط اختلف أهل العلم هل يستحب أن يصومها كلها أم أن يصوم بعضها ولهم في ذلك أقوال مهم ما في مسلم من قول عائشة رضي الله عنها ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط وقالت حفصة أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ صيام يوم عاشوراء والعشر وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتا الفجر وهذا ذكره الإمام أحمد في مسنده وفي سنده أبو إسحاق الأشجعي الكوفي وهو مجهول فذكر أهل العلم للتوفيق بين الروايتين يستحب له أن يصوم من العشر لكن لا يستحب له أن يصومها كلها ولو أن إنسان أراد أن يصوم من بدايتها على يوم التاسع مثلا إذا كان غير حاج أو إذا كان حاج يوم من الأول إلى الثامن فهذا غير مستحب له على الراجح وإنما يصوم أكثرها
فيصوم مثلا اليوم الأول والثاني ويفطر اليوم الثالث يصوم الرابع والخامس وبفطر اليوم السادس وما شابه ذلك .
وذلك ليصل قدر المستطاع مما وصفه أهل العلم من حل النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الأيام العشر
أسال الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا ويجعلنا ممن ينتهزون مواسم الخيرات وممن يرفع لهم فيها الله تعالى الدرجات ويكفر عنهم السيئات اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك ربنا من الشر كله عاجله وآجاله ما علمنا منه وما لم نعلم .
اللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم يا ذالجلال و الإكرام اجعل مقدم حجاج بيت الله الحرام لبيتك العتيق سالما مسلما
اللهم من أراد بهم سوء أشغله في نفسه ورد كيده في نحره يا حي يا قيوم .
اللهم من أراد حجاج بيتك العتيق الذين أتو ضيوفا عليك يا ربنا من أرادهم بتخريب أو تفجير أو أمراض أو نوع من الأذى اللهم فنسألك أن تكشف سريرته وأن تهتك ستره وأن تظهر أمره يا قوي يا عزيز وأن تجعله عبرة للمعتبرين يا حي يا قيوم
اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال و الإكرام أن تعز الإسلام والمسلمين في كل مكان وتخذل الشر والمشركين وتدمر أعداءك أعداء الدين وتجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وسائر ولاة أمور المسلمين في كل أرض يا حي يا قيوم.
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك علة محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
سبحانك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين


الشيخ الدكتور / محمد بن عبدالرحمن العريفي


 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

خطبة الجمعة عنوانها يوم عرفة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم

الخطبة الاولى

الحمد لله الملك الحق المبين؛ ذي القوة المتين، هدى العباد صراطه المستقيم، ودلهم على شرعه القويم، وهو الولي الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ في هذه الأيام العظيمة يجتمع أهل الموسم على ذكره وشكره وحسن عبادته، ويعظمون حرماته وشعائره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ ضحى وشرع الأضحية لأمته، فهي من آكد سنته، فمن قدر عليها فلا يحرمن نفسه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموه في أعظم أيامه؛ فإن هذه الأيام أعظم أيام الدنيا.. تزود فيها من البر والتقوى، وجانبوا الإثم والهوى ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج:30].

أيها الناس: فضائل هذه الأيام كثيرة، ولبعضها خصائص ليست لغيرها كيوم عرفة، ويوم النحر. وهذا حديث عن يوم عرفة، وما فيه من الفضائل؛ لنعلم قدره، ونعظم حرمته، ولا نهدر منه لحظة.

وإذا ذكر عرفة سحت العيون بالدمع على مشهد الحجيج وهم في عرفة يجأرون لله تعالى بصالح الدعوات؛ فرحا بهم، وغبطة لهم، وشوقا إلى المشاعر المقدسة.

إن يوم عرفة هو يوم من أيام الأشهر المحرمة، وهو من أيام العشر المفضلة، وهو من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج:27]. وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم مما يدل على فضله وعظمته، ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج:3] قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

وهو يوم كمال الدين، وتمام النعمة؛ كما في حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾[المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رواه الشيخان.

وهو كذلك يوم عيد للمسلمين؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وهو ركن الحج الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج معذورا كان أم غير معذور؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: " الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ..." رواه أحمد.

وهو يوم المباهاة بأهل الموقف كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صححه ابن خزيمة وابن حبان.

وهو يوم العتق من النار؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"رواه مسلم.

فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يعتق الله تعالى فيه خلقا من النار. والظاهر أن العتق من النار ليس خاصا بأهل عرفة، وإنما هو عام لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل عرفة أكثر من غيرهم.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله تعالى من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين؛ فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة.

وهو يوم الدعاء، ويوم ترطيب الألسن والقلوب بكلمة التوحيد؛ لحديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» رواه مالك مرسلا.

والظاهر أن فضل الدعاء ليس خاصا بالواقفين بعرفة فقط، وإن كان القبول منهم أرجى من غيرهم؛ لتلبسهم بالإحرام، ووجودهم في أطهر البقاع، وكذلك الدعاء بكلمة التوحيد الواردة في الحديث ليست خاصة بأهل عرفة، بل ينبغي أن يكثر من قولها أهل الأمصار في ذلك اليوم العظيم.

وكأن الإكثار من الدعاء بكلمة التوحيد في يوم عرفة هو لتأكيد الوفاء بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على البشر قبل وجودهم على الأرض، وهو الوارد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ – يَعْنِي: عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا " قَالَ: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 173] رواه أحمد. فناسب أن تلهج ألسنة المؤمنين بكلمة التوحيد في ذلكم اليوم العظيم، وعليه فإنه ينبغي أن يكثر المسلمون من الذكر والدعاء في يوم عرفة أينما كانوا، فجدوا -عباد الله- في الذكر والدعاء وألحوا؛ فلعل نفحات الله تعالى تصيبكم في يوم عرفة ولو لم تقفوا بها، وفضل الله تعالى يسع أهل الموسم وغيرهم، فلا يحرمن عبد نفسه خير الله تعالى وفضله في ذلكم اليوم العظيم.

وهو يوم إصغار الشيطان ودحره؛ لما يرى من تنزل رحمات الله تعالى على عباده؛ كما في حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ»....رواه مالك مرسلا.

وإذا كان أهل الموسم قد ظفروا بالوقوف في عرفة ركن الحج الأعظم، فإن لأهل الأمصار صوم ذلك اليوم العظيم، وصومه يكفر سنتين كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رواه مسلم.
نسأل الله تعالى أن يقبل منا ومن المسلمين، وأن يكتب لنا جميعا الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنه سميع مجيب.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم....

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأكثروا في هذه الأيام العظيمة من ذكره وتكبيره؛ فإن ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال ﴿ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت:45] وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ».

أيها المسلمون: عيد الأضحى هو أكبر أعياد المسلمين وأفضلها؛ لأنه في أفضل الأيام وأشرفها، وفيه أكثر الشعائر وأعظمها. وتشرع فيه الأضاحي وهي من أفضل الأعمال وأجلها، وهي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي حَدِيثٍ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

ولنجتنب من الأضاحي ما كان بها عيب؛ فإنها قربان لله تعالى، ولنختر منها أطيبها وأسمنها؛ لقول أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ».

ومن طرأت عليه الأضحية يوم النحر أو بعده، أو كان لا يجد ثمنها ثم وجده فله أن يضحي ولو كان قد أخذ من شعره وظفره في العشر. وأهل البيت تكفيهم أضحية واحدة، وهي باب قربة وعبادة، ولا تجوز فيها المباهاة والمفاخرة.

ولا يشرع تخصيص الأموات بالأضحية، فإن ضحى أحد عنهم أشرك نفسه أو أحدا من الأحياء معهم، إلا إذا كانت وصايا للأموات ومن أسبالهم فتنفذ وصاياهم؛ لأنها من كسبهم وصدقاتهم.

ويحرم صوم يوم العيد وأيام التشريق، وهي ثلاثة بعد العيد؛ لقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فلنكثر من ذكر الله تعالى فيما تبقى من هذا الموسم الكريم، ولنجتنب منكرات العيد، ولنجعل يوم العيد مع أيام التشريق أيام شكر وذكر لله تعالى على ما هدانا وأعطانا﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ ﴾ [الحج:27].
وصلوا وسلموا على نبيكم....

المصدر شبكة الالوكة







 

zxc

إنضم
17 فبراير 2015
المشاركات
96,551
مستوى التفاعل
58
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بارك الله فيك
وفِي موازين حسانتك
 
إنضم
28 أغسطس 2017
المشاركات
14
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

جزاك الله خيرا
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات


خطبة الجمعة عنوانها نهاية العام الهجري


الخطبة الاولى
الحمدُ لله، تفرَّد عزًّا وكمالاً، جَلَّ وتقدَّس وتعالى، نسألُه صلاحَ الشَّأنِ كلِّه حالاً ومآلاً. ونشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، خَلَقَ الْموتَ والحياةَ لِيَبلُوَ الناسَ أيُّهم أحسنُ أعمالاً.ونَشْهدُ أنَّ نَبِيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، خيرُ الناسِ خِصالاً،حذَّرَ مِنْ الاغترارِ بِهذه الدَّارِ، وَأَمَرَ بالاستعدادِ لدارِ القَرَارِ، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آلهِ وأصحابِه البَرَرِةِ الأطهارِ،
أما بعد: فاتقوا الله على كلِّ حال وفي كلِّ مكانٍ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أيُّها المسلمون : حياةُ الإنسانِ مراحلٌ، والناسُ في الدُّنيا بين مُستعدٍِّ للرحيلِ وراحلٌ، وكلُّ يومٍ , بلْ كُلُّ نَفَسٍِ يُدني من الأجلِ، فالكيِّسُ من حاسَبَ نَفْسَهُ يومًا بِيَومٍ ، فما الناسُ إلاَّ حيٌّ أدركتُه منيِّتُهُ، فَوُرِيَ بالتُّرَابِ، أو صغيرٌ بلغَ سِنَّ الشَّباب، أو شيخٌ امتدَّت به الْحَيَاةُ حتى شابَ، ومن وراءِ الجميعِ نقاشٌ وحسابٌ، فهنيئاً لمن أَحْسَنَ واستقامَ، والويلُ لِمَنْ أساءَ وارتكبَ الآثامَ، ويَتُوبُ الله على مَن تاب، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ اللهُ أكبرُ عباد الله:هكذا في لَمْحِ البَصَرِ يُطوى تاريخُ عامٍ كاملٍ طالما عشنا فيه آمالاً وآلاماً وطالما كانت لنا فيه ذكرياتٌ وطموحاتٍ ، وفي توديعِ عامٍ واستقبالِ عامٍ جديدٍ ! فُرَصٌ للمتأمِّلين , وذكرَى للمُعتبرين ، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ
عباد اللهِ :إنَّ المؤمنَ حينَ يودِّع مرحلةً من عمُره ويستقبِل أخرى فهو في حاجَةٍ ماسَّةٍ لِمُحَاسَبَةِ نَفْسِه وتقييمِ مسارِها في ماضِيها وحاضرِها ومُستقبلِها، يقولُ ابنُ القيِّمِ رحمَهُ اللهُ: "وهلاكُ القلبِ إنَّما هو من إهمالِ محاسبَةِ النَّفْسِ ومِن موافَقَتِها واتِّباعِ هواها"
فليتَ شِعري ماذا أودَعنا في عامنا الماضي؟ وماذا عسانا أنْ نَسْتَقْبِلَ به عامَنا الْجَديدُ ؟ قال أبو الدَّرداءِ رضي الله عنه: (يا ابنَ آدم، إنِّما أنتَ أيَّامٌ، فإذا ذهبَ منكَ يومٌ ذهبَ بعضُك ) وروى البخاريُّ رحمه اللهُ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال:أَخَذَ النبيُّ ِبمَنْكِبي فقال: ( كُنَْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ ) وقال َ( ما لي وللدنيا؟! ما أنا في هذه الدُّنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحتَ شجرةٍ ثم راحَ وتَرَكَهَا ) . فيا لها من وصيَّةٍ بَلِيغَةٍ تصحِّحُ مَنْظُورَ الْمُسلمِ لهذه الحياةِ ! فعابرُ السَّبيلِ يتقلَّلُ من الدَّنيا، ويستكثرُ من زادِ الإيمان، عابرُ السَّبيلِ لا يُدَنِّسُ نَقَاءَ النَّهارِ بآثامِه، ولا يُقَصِّرُ الليلَ بغفلته وَمَنَامِهِ، إنْ دُعيَ إلى طاعةٍ أجاب، وإنْ نودِيَ إلى الصلاة لبَّى، مع الأسف الشَّديدِ يا كرامُ: واقعُ الكثيرينَ منَّا! يحكي أنَّ الدُّنيا عَشْعَشَتْ في قلوبِنا ، ونصبَت فيها راياتٌ، حديثنا فيها :كم نَربح ؟ وكيف نجمَع ؟ إنْ ضُرِب موعِدٌ للدُّنيا بادرنا إليه مبكِّرين، وأقمَنا عند بابه فرِحين، ولا نُبقي للآخرةِ في قلوبِنا إلاَّ رُكْنًا ضيِّقًا! إلاَّ من رحم ربِّي ! أتريدون الشاهدَ والبرهانَ على ما أقولُ؟ تأمَّل إذا رُفِعَ الأذانُ: هل أنتَ مْن هؤلاءِ الْمُبكِّرينَ الْمُسارِعِينَ للخيرات ؟ فهنيئاً لهم ! إذا احتاجَ المنكوبونَ والمستضعفونَ إلى الأموالِ فهل أنتَ مْن هؤلاءِ من المبادرين والمنفقينَ ؟ فباركَ اللهُ في أموالِهم ! يا عبدَ الله، أمضيتَ في عامِكَ أكثرَ من ثَلاثِمِائَةٍ وستينَ يومًا ؟ فكم بربِّك قضيتَ من الوقت في لِهْوٍ مباح، ناهيكَ عن غيرِ الَمُباحِ ؟! يا عبد الله، كم حصَّلت في عامِك من الريالات ، فبالله عليك كم أنفقتَ منها في سبيلِ الهوى والشَّهوات ومُسَايَرَةِ الْمُتطلَّبات والحاجيَّاتِ ؟! ثم اسأل نفسك كم أنفقتَ منها للهِ , ولدينِه , وللمؤمنين ؟! أخرج الإمامُ مسلمٌ رحمه اللهُ بسنده عن مُطَرِّفٍ عن أبيه قال: أتيتُ النبيَّ وهو يقرأُ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (يقولُ ابنُ آدمَ: مالي , مالي) (وهل لكَ يا ابنَ آدمَ من مالِكَ إلا ما أَكلْتَ فأفنيتَ أو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أو تصدَّقتَ فأمضيتَ )،
يا عبد الله،مَرَّ عليكَ في عامِكَ الْمُنصَرِمِ ألفٌ وثمانُمائَةِ صلاةٍ مَفرُوضةٍ،فكم حَفِطتَ منها؟! بل كم ضيَّعتَ منها بعذرٍ وبغيرِ عذر؟ كم من صلاةٍ أدَّيتها على عُجَاَلٍة وأنتَ مَشغوُلُ البالِ؟ ولا يخفى على أمثالِكُم أنَّ الطمأنينةَ ركنٌ لا تصحُّ الصلاةُ إلا بِها،
يا عبد الله، مَرَّ عليكَ في عامِكَ الْمُنصَرِمُ اثنا عَشَرَ شَهْرَاً فهل أنتَ من البَرَرَةِ الذينَ يقرؤونَ القرآنَ بِتَدَبُّرٍ في كلِّ شهرٍ مَرَّةٍ ؟، اسأل نفسك كم ختمتَ القرآنَ من مَرَّةٍ ؟! لِنَحذَرَ أنْ نكونَ ممن شكاهم الحبيبُ لِمَولاه حين قال: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا أخي مرَّت على أقَارِبِكَ مُناسباتٌ وأعيادٌ ,وأفراحٌ ، وأتراحٌ ! فهل
شاركتَهُم فيها ؟ هل وَصَلْتَ رَحِمَكَ ؟! فأنت تعلمُ أنَّ من وصَلَهُمْ وَصَلَهُ اللهُ، ومَنْ
قَطَعَهُم قَطَعَهُ اللهُ !
أمُّكَ وأبوكَ نورُ عينيكَ , وبَهجتُ دنياكُ , وذخرُ أُخَراكَ ! ما حالُكَ
معهما ؟ لعلكَ ممن يُقَدِّمُ وَلَدَهُ وزوجَهُ وأصدِقَائَهُ عليهما ؟ فاحذر فكما تدينُ
تُدانُ ! والزمْ رِجْلَيْهِمَا فَثمَّ الجنةُ !
عباد اللهِ : طوبى لِمَنْ اغْتَنَمَ أَيَامَهُ بما يُقَرِّبُهُ إلى الله، طوبى لعبدٍ شَغَلَ نَفْسَهُ بالطَّاعات واتَّعظ بما في الأيامِ مِن العِظَاتِ،
كُلُّ يومٍ يَمُرُّ يَأْخُذ بَعْضِي يُورِثُ القَلْبَ حَسْرَةً ثم يَمْضِي

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا () اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا

فاللهم إنِّا نسألكُ حُسْنَ القول والعملِ
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها وأجرنا من خزي الدنيا وعذابِ الآخرةِ
واستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين من كلِّ ذنبٍّ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:


الحمدُ لله دَعَا العِبَادَ لِمَا تَزكُوا به النفوسُ وتَطْهُر، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ,كُلُّ شيءٍ بِأَجَلٍ مُقَدَّر، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه ,أَبْلَغُ واعظٍ وأَصْدَقُ مَنْ بَشَّر وأنذر، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابِه خيرِ صَحْبٍ ومَعْشَرٍ، أَمَّا بَعدُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . عباد الله، جُمْعَتُكُم هذه هي آخِرُ جُمُعَةٍ من هذا العام، فأيُّها الْمُسْلِمُ، نعم أنتَ يا من تَسمَعُنِي ! راجعْ نفسَكَ على أيِّ شيءٍ سَتَطوِيْ صَحَائِفَ هذا العام ؟ فَلَعَلَّهُ لم يبقَ من عُمُرِكَ إلا أيامٌ، فاستدركْ عُمُرَاً أَضَعْتَ أوَّلَهُ ، فقد قال النبيُّ : ( اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابَكَ قبل هرمِكَ، وصحتَك قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبل فَقرِكَ، وفَرَاغَكَ قبل شُغْلِكَ، وحياتَكَ قبل مَوتِكَ ). معاشر الأحبَّةِ:واللهِ لَتَمُوتُنَّ كما تَنَامُونَ، ولَتُبعَثُنَّ كما تَستَيقِظُونَ، وَلَتُخْبَرُنَّ بِما كُنتم تعلمونَ، فَجَنَّةٌ لِلمُطِيعِينَ، ونارُ جَهَنَّمَ للعاصينَ، أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . أحبتي في الله، مَنْ غَفَلَ عن نَفْسِه ضاعت أوقَاتُهُ ثم اشتدَّت عليه حَسَرَاتُهُ، وأيُّ حسرةٍ مِنْ أنْ يكونَ عُمُرُكَ حُجَّةً عليكَ ؟ عجيبٌ حالُ الغافلِ: يوقنُ بالْمَوتِ ثم يَنْساه! ويعرفُ الضَّرَرَ ثم يغشاه! يَخشى الناسَ واللهُ أحقُّ أنْ يخشاه! يَغْتَرُّ بالصِّحَةِ وينسى السَّقَمِ! ويَزْهُو بالشَّبَابِ وينسى الْهَرَم! يَهْتَمُّ بالعِلْمِ وينسى العمل! يَطُولُ عُمُرُهُ ويَزْدَادُ ذَنْبُهُ! يَبْيَضُّ شَعْرُهُ وَيَسْوَدُّ قَلْبُهُ! سبحانَ الله ، أَلَمْ يَأْنِ لنا أنْ نُدرِكَ حقيقةَ هذه الدَّارِ؟! يا قوم، إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ يا مسلم ، ذهب عامُكَ شاهداً لكَ أو عليكَ، فخذ زاداً كافياً، وأعدَّ جواباً شافياً ، واستكثر من الحسناتِ، وتدارك ما مضى من الهفوات، قبل أنْ يَفْجَأُكَ هادمُ اللذَّاتِ، فقد قال رسولُ الله : ( كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَه فمعتِقُها أو مُوبِقُها)
يا من أقعده الحرمانُ، وأثقلهُ العصيان، كم أغلقت باباً على قبيحٍ ؟ إلى متى تُعرِضُ عن النَّصِيحِ؟ أنسيتَ ساعةَ الاحتضارِ؟! حين يثقلُ منك اللسانُ، وترتخي اليدانُ، وتشخصُ العينانُ، ويبكي عليك الأهلُ والولدانُ، أنسيتَ حين يشتدُّ الكربُ، ويَظْهَرُ الأنينُ، وَيَعْرَقُ الجبينُ، ( فلا إله إلا اللهُ، إنَّ للموتِ لسكراتٍ ). أين من عاشرناهم كثيراً وألفناهم؟! أين مَْن مِلنَا إليهم وأحببناهم ؟! كم عزيزٍ دفنَّاهُ , وقريبٍ أضجعناه ، فهل رحم الموتُ مَريضاً لضعفِ حالِه ؟! أو ذا عِيالٍ لأجْلِ عياله؟! لا واللهِ أتاهم الْمَوتُ، فأخلى منهم المجالسَ والمساجَد، لا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِم ضَّرَّاً ولا نَفْعَاً، فيا عبدَ الله، دَعِ اللهوَ جَانِبَاً، وقمْ إلى ربِّكَ نادما ، وقِف على بابهِ تائباً، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : ( إنَّ الله عزَّ وجلَّ يبسطُ يَدَهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النَّهارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهارِ لِيَتُوبَ مُسيءُ الليلِ، حتى تطلعَ الشَّمسُ من مَغربِها) فأحسنْ فيما بَقِيَ, يُغفرْ لك ما قد مَضَى وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على الكافرين. اللهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداءَ الدِّين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهمّ آمنا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاةَ أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله، فاذكروا الله العظيمَ الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



منقول
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

خطبة الجمعة عنوانها
فضائل شهر محرم الحرام
الخطبة الأولى:
الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، فما زال يوالي عليكم مواسم الخير الفضل، ما انتهت أشهر الحج إلى وأعقبها شهر الله المحرم، وهذا الشهر خصه الله بخصائص:
أولا: أنه من الأشهر الحُرم التي حرم الله فيها القتال قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهذه الأربعة: هي ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر محرم، والرابع شهر رجب، حرم الله القتال فيها من أجل تأمين الحجاج والمعتمرين في سفرهم للحج والعمرة، فلما جاء الإسلام - ولله الحمد - انتشر الأمن واندحر الكفار، وقام الجهاد في سبيل الله عز وجل في كل وقت مهما أمكن ذلك.
إن هذا الشهر له فضائل قال صلى الله عليه وسلم: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ فيستحب الإكثار فيه من الصيام.
وهو أيضا من الأشهر الحرم.
وهو الشهر الذي اختاره الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ليكون أول السنة الهجرية، فهو شهر له فضائل:
ومن أعظم فضائله: أن فيه يوم عاشوراء الذي اخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وقد صامه موسى عليه السلام شكرا لله لما أغرق الله فرعون وقومه فصامه شكرا لله عز وجل، وصامه اليهود من بعده، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومونه فقال: ما هذا الصوم الذي تصومونه؟ قالوا: إنه يوم أعز الله فيه موسى وقومه، وأذل الله فيه فرعون وقومه وقد صامه موسى عليه السلام فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ أو أولا بِمُوسَى مِنْكُمْ فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه فصار صيامه سنة مؤكدة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم أراد منا أن نخالف اليهود فـأمر بصوم يوم قبله وهو اليوم التاسع، وفي رواية أو صوم يوما بعده ، ولكن صيام يوم التاسع أوكد، فيصام هذا اليوم اقتداءً بأنبياء الله بموسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم في صيامه وهو يوم أعز الله فيه المسلمين على يد موسى عليه السلام، فهو نصر للمسلمين إلى أن تقوم الساعة، ونعمة من الله عز وجل يُشكر عليها وذلك بالصيام، فصيامه سنة نبوية مؤكدة، فيصومه المسلم اليوم التاسع ويصوم اليوم العاشر الذي هو يوم عاشوراء، ومضت هذه السنة في هذه الأمة والحمد لله فيتأكد صيامه طلبا للأجر والثواب وشكرا لله عز وجل.
فسنة الأنبياء وأتباعهم أنهم يشكرون الله على الانتصارات وذلك بالطاعة والصيام وذكر الله عز وجل وشكره ولا يحدثون في هذه الانتصارات بدعا ومنكرات فإن هذا من سنة الجاهلية، والاحتفالات إنما يحدثون فيها الشكر لله عز وجل والصيام، فإحياء السنة أمر مطلوب من الأمة، في صومه أجر عظيم، يكفر السنة الماضية.
فلا ينبغي للمسلم أن يفرط فيه، أما من يتخذ يوم عاشوراء يوم حزن ويوم بكاء وعويل ونياحه كما تفعله الشيعة قبحهم الله حزنا على مقتل الحسين رضي الله عنه فإنه قتل في هذا اليوم في يوم عاشوراء في اليوم العاشر من شهر محرم؛ ولكن المصيبة لا تقابل بالنياحة والمعاصي والمنكرات؛ وإنما تقابل بالطاعة والصبر والاحتساب، مقتل الحسين رضي الله عنه لاشك أنه مصيبة؛ ولكن الله أمرنا عند حدوث المصائب أن نصبر ونحتسب.
والمسنون في هذا اليوم هو سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه يصام ولا يحدث فيه أي عمل آخر، وكذلك على العكس من جهال المسلمين ومن جهال أهل السنة من يعتبر هذا اليوم يوم فرح وبعضهم يسميه العيد عيد العمر يقولون وهو ليس عيدا إنما هو يوم نصر وشكر لله عز وجل ويوسعون على أولادهم ويعطونهم الهدايا يتقابلون الهدايا فيما بينهم هذه بدعة وأمر محدث ولا يجوز، وهذا يكون مقابلا لفعل الشيعة، الشيعة يحزنون وهؤلاء يفرحون، أيفرحون بمقتل الحسين رضي الله عنه يعني يحملهم بغض الشيعة على أن يفرحوا بمقتل الحسين رضي الله عنه لا، هذا لا يجوز.
فالواجب على المسلمين اتباع السنة وترك البدعة هذا هو المطلوب، والبدعة لا تقابل بما هو شر منها ببدع أخرى، إنما تقابل بتركها وإحياء السنة.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وأعوانه، وسلم تسليماً كثيرا،

أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنها لا يقبل سنة أو نافلة حتى تؤدى الفريضة، فحرصوا على أداء الفرائض أولا، لأن الفرائض أحب إلى الله من النوافل، قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فالنوافل مكملة للفرائض، أما أن تقام النوافل وتساهل في الفرائض فهذا أمر معكوس.
الواجب على المسلم أن يحافظ على الفرائض أولا وقبل كل شيء ثم يأتي بالنوافل بعدها لتكون مكملة لها وزيادة خير للمسلم.
اتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أرنا الحق حقا ورزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وجعلنا من الراشدين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ وفقهم لما فيه خيرهم وخير الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ بهم أمننا وجمع بهم كلمتنا،وألف بهم جماعتنا يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين مما هم فيه من كرب وضيق على يد الأعداء والكافرين والمنافقين، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بفرج عاجل، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بالنصر، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين من كل شدة ومن كل كرب يا سميع الدعاء يا فراج الكربات يا مجيب الدعوات يا مغيث اللهفات يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء يا ذا الجلال والإكرام (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.


موقع الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
خطبة الجمعة عن يوم عاشوراء

الخطبة الأولى:
الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعتبروا بما قصه في القرآن من قصص الأنبياء والمرسلين عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)، وقال سبحانه: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وإن مما قصه الله في القرآن قصة كليم الله ورسوله موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، الذي أرسله إلى فرعون وقومه، فرعون الطاغية المتكبر في الأرض الذي ادعى أنه ادعى الربوبية (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)، (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، وهكذا غره طغيانه ومُلكه وقُوته حتى تجرأ على الله سبحانه وتعالى فنازعه الربوبية، وهذا من جهله، ومن ضعف عقله، لأنه يعلم أنه مخلوق ضعيف، وأن الربوبية لله رب العالمين، ولكنه غرّه طغيانه وأراد أن يُغرر بقومه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)، فأدعى هذه الدعوة التي لم يدعها أحد غيره إلا النمرود الذي قال (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وكان يخاف من بني إسرائيل، لأن أهل مصر يتكونون من طائفتين طائفة الأقباط :وهم قوم فرعون الذين فيهم الملك، الطائفة ثانية بني إسرائيل من أولاد يعقوب، إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فهم ذرية الأنبياء، فكان فرعون وقومه يتخوفون من بني إسرائيل أن ينتقموا لأنفسهم في يوم من الأيام، لأنهم يعلمون طغيانهم وجبروتهم وأفعالهم، فخافوا أن ينتقم بنو إسرائيل لأنفسهم من هذا الطغيان، فصاروا يذبحون أبناء بني إسرائيل، يستحيون نسائهم، كل ما ولد مولود ذكر لبني إسرائيل قتلوه ليُضعفوهم، ولأنه بلغ فرعون عن طريق بعض الكهنة أنه سيخرج من بني إسرائيل غلامٌ يكون هلاكه على يده، فزاد شره وطغيانه فصاروا يقتلون أبناء بني إسرائيل خوفا من ذلك، ولكن أمر الله نافذ ولا ينجي حذر من قدر، فلما ولد موسى عليه السلام ألهم الله أمه أن تجعله في صندوق من الخشب تُحكمه عليه، وأن تضعه في النهر، ففعلت ذلك فذهب به الماء إلا أن ألقاه في قصر فرعون، (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) لقطوا هذا التابوت، ولما فتحوه وجدوا فيه هذا الغلام، فأراد فرعون أن يقتله: (امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)، فتركه من أجل هذه المرأة المباركة، ونشأ في بيت فرعون يأكل من طعامه، ويلبس من لباسه، ويركب على مراكبه، وصار مقدماً فيهم، فالذي كان يحذر منه صار يربيه بأمر الله سبحانه القدري الكوني، صار يربيه، ويغذيه في بيته، وفي يوم من الأيام حصلت مشادة بين قبطي وإسرائيلي وتضارب، مر بهم موسى عليه السلام: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ)، يعني: من بني إسرائيل (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)، طلب منه النصرة فجاء موسى عليه السلام إلى القبطي (فَوَكَزَهُ)، يعني: ضربه بيده ضربة واحدة (فَقَضَى عَلَيْهِ)، مات على إثر تلك الضربة، فقتل نفساً من القبط، فصاروا يبحثون عن القاتل فعلموا أنه موسى عليه السلام، فصاروا يدبرون لقتله، (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى)، يعني يشد في المشي، والسير، والركض (قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ* فَخَرَجَ مِنْهَا)، عليه الصلاة والسلام (خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)، خرج منها من مصر وقصد إلى أرض مدين (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)، خشي أن يضيع في الطريق، فالله هداه الطريق إلى أن وصل إلى أرض مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ)، وكان عطشان (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ) يعني: جماعة من الناس يسقون مواشيهم وعندهم امرأتان تذوتان غنماهما، يدفعان غنمهما عن الماء، فسألهما ما شأنكما: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ)، لأن الإناث ضعيفات أمام الرجال لا يقويان على مزاحمة الرجال: (فَسَقَى لَهُمَا)، موسى أخذته الرحمة والشفقة (فَسَقَى لَهُمَا)، على ما فيه من التعب عليه الصلاة والسلام سقى لهما، ولما فرغ تولى إلى الظل، وجلس في الظل يستريح، دعاء ربه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، ذهبت الامرأتان إلى أبيهما، وكان شيخ كبيرا فذكرتا له القصة، فأرسل إليه من بناته من تناديه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، فذهب عليه السلام إلى ذلك الشيخ الكبير، وقص عليه القصص، ذكر له أمره ومجيأه (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، هذا أول بشرى له، ثم إن إحدى ابنتي الشيخ الكبير عرضت على أبيها أن يستأجره لرعي الغنم وسقايتها بدلا من المرأتين (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)، قوي على مزاحمة الرجال، أمين لا يخون لا في نظره ولا في تصرفاته (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ* قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ)، عرض عليه أن يزوجه إحدى ابنتيه في مقابل أن يرعى الغنم ثمان سنين أو عشر سنين (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ)، يعني: سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ)، تم بينهما العقد، وتزوج موسى عليه السلام من إحدى الابنتين، ورع الغنم عشر سنين، ثم ذهب بأهله بزوجته متوجهًا إلى مصر، عائدًا إلى مصر ومعه زوجته، وفي الطريق اختاره الله جل وعلا لرسالته، وحمله رسالته إلى فرعون، فتخوف موسى من بطش فرعون، وطلب من ربه أن يجعل له من يؤازره من أهله، ورشح أخاه هارون عليه السلام فاستجاب الله دعوته، وجعل معه أخاه نبياً ورسولاً ليؤازره في الدعوة، (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ)، يعني: معجزة دلالة على صدقنا (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا)، الله معهما معية عون وتوفيق وعلم منه سبحانه (أَسْمَعُ وَأَرَى)، اسمع ما يقول فرعون، وأرى ما يفعله، فلا يتمكن من إيذائكما، فلما بلغاه الرسالة غضب غضباً شديداً، (قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ)، ثم إن موسى أظهر العلامة الدالة على صدقه وعلى رسالته، (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ)، انقلبت العصا إلى حية عظيمة، وأدخل يده في جيبه ثم أخرجها بيضاء مثل الشمس من غير سوء من غير برص آية أخرى، جاءه بآيتين العصا، واليد، ماذا قال فرعون عند ذلك قال هذا سحر ما جئتم به السحر قال هذا سحر، وإن عندنا من السحرة من يقاوم سحركما، ثم تواعدوا في يوم يحضر فيه فرعون جميع السحرة من البلدان، مهرة السحر جمعهم (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ)، فجمع السحرة في هذا اليوم وجاء موسى عليه السلام، لهذا المشهد العظيم فطلبوا أن يلقيا ما معه أو يلقون ما معهم، (قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ* فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ* فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)، التهمت كل ما ألقوه من الحبال والعصي التهمته وخاف منها الحاضرون أن تلتهمهم، فتقدم موسى عليه السلام فأخذها فصارت عصا، ولما رأى السحرة هذه المعجزة علموا أنها ليست من السحر لحكم فنهم وعلمهم بالسحر، علموا أن هذا ليس سحراً، وإنما هو من الله سبحانه وتعالى معجزة لرسوله، فآمن به موسى وهارون، فما كان من فرعون إلا أن قتلهما شر قتله شهداء لله، كانوا في أول النهار يقولون (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ)، وفي أخر النهار شهداء، قدموا على الله سبحانه وتعالى، هذه هي الجولة الأولى مع فرعون اندحر وبطل سحره وافتضح أمام الملأ، والسحرة الذين اختارهم آمنوا بموسى، وأقاموا عليه الحجة، ثم إن الله أوحى إلى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل في الليل، وأن يخرجوا من مصر، فموسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل هاربًا بهم من فرعون، فلما علم فرعون أرغى وأزبد، وجمع الجنود والحشود، فخرج في أثرهم ليستأصلهم بزعمه، ولما كان مع طلوع الشمس أو مع طلوع الفجر، إذا موسى وقومه على حافة البحر، وإذا فرعون وقومه قد أحاطوا بهم، وجاؤوهم من خلفهم (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، البحر أمامنا والعدو خلفنا، قال موسى عليه السلام: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فأوحى الله إليه (أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضرب بعصاه البحر فأنفلق، وصار أسواطاً جامدة يبساً شوارع على قدر قبائل بني إسرائيل اثنى عشر طريق، أمر الله موسى وقومه أن يسلكوا هذه الشوارع وهذه الطرق البحرية اليابسة فسلكوها بأمان الله، ولما تكامل خروجهم من الجانب الثاني دخل فرعون وجنوده ليدركوهم ويلحقوا بهم، فلما تكاملوا في البحر اطبقه الله عليهم، وعاد البحر بحراً يلطتم فأغرق الله فرعون وقومه، ونجا موسى وقومه في هذا اليوم، وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر الله محرم فصامه موسى عليه السلام شكرا لله سبحانه وتعالى، فصار بنوا إسرائيل يصومونه عملاً بسنة موسى عليه السلام، ولما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم صام هذا اليوم، وأمر بصيامه شكراً لله عز وجل لأن انتصار موسى انتصار للحق، وانتصار للتوحيد، وانتصار للإسلام، فهذا نعمة من الله سبحانه وتعالى على الجميع، فصامه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه وقال: لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر ، مخالفة لليهود، فصار صوم يوم عاشوراء وصوم يومً قبله سنة في هذه الأمة، والحمد لله رب العالمين على نصرة الحق، ودحر الباطل في كل زمان ومكان (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد
اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعملوا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتبعوه، وإن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم صيام اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وصيام يوماً قبله مخالفةً لليهود، فهو سنة مؤكدة، وهكذا الأنبياء واتباعهم يقابلون النعم بالشكر، ولا يقابلونها بالأشر والبطر والإعجاب، وإنما يقابلون النعم، ومنها النصر على الأعداء يقابلونها للشكر لله، والتواضع لله عز وجل، ولا يقابلونها بالمرح والفرح المحرم ويفعلون فيها ما يفعلون من المعاصي كما يفعله الجهال في المناسبات التي يزعمون أنها مناسبات قومية، فهذا من جهلهم وغرورهم، فالنعم تقابل بالشكر، ولا تقابل بالكفر، فهذا ما شرعه الله لنا، وكذلك لا يتخذ يوم عاشوراء يوما للفرح، والتوسعة على العيال كما يقولون، أو يسمى عيدًا ليس هو عيد ليس للمسلمين إلا عيدان، عيد الفطر، وعيد الأضحى، فلا يتخذون هذا اليوم يوم فرح وسرور وإلى أخره هذا من البدع ومن الجهل، كما أن هذا اليوم لا يتخذ يوم حزن، وبكى، وعويل، وضرب للخدود، وخمش للوجه، وضرب للأبدان بالسلاسل، كما تفعله الشيعة، حزناً على مقتل الحسين رضي الله عنه، الحسين بن علي قتل في هذا اليوم مظلوماً رضي الله عنه، وقتله مصيبة على المسلمين تقابل بالصبر والاحتساب، ولا تقابل بالجزع، والسخط، والنياحة، وما يفعله الشيعة، وهذا من جملة ضلالاتهم، وخرافاتهم كفى الله المسلمين شرهم.
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] .
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا، واحفظ علينا أمننا، واستقرارنا في ديارنا، وأصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ولِ على المسلمين خيارهم في كل مكان يا رب العالمين وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، واكفهم شر الأعداء والحاسدين من الكفار والمشركين والمنافقين، اللهم من أراد هذا الإسلام وهذا الدين وأراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه وأردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون .


المصدر
موقع الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
 
إنضم
5 أغسطس 2012
المشاركات
7,203
مستوى التفاعل
0
غير متصل
خطب الجمعة والمناسبات
رد : خطب الجمعة والمناسبات


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم

عنوان الخطبة عَلَى أَعتَابِ عَامٍ دراسيّ جديدٍ
الخطبة الاولى

الْحَمْدُ للهِ الحَكِيمِ العَلِيمِ، القَائِلِ فِي مُحْـكَمِ كِتَابِهِ: ((وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ))(1)، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ بَارِئُ النَّسَمِ، وَخَالِقُ اللَّوحِ وَالقَلَمِ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْدَى وَأَنْعَمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الهَادِي إِلَى السَّبِيلِ الأَقْوَمِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ ذَوِي الأَخْلاَقِ وَالقِيَمِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ هِيَ الزَّادُ وَالعُدَّةُ، وَمِعْرَاجُ السُّمُوِّ وَمَبْعَثُ القُوَّةِ، وَالمُعِينُ عَلَى العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَالسَّلاَمَةُ مِنَ الفِتَنِ وَالعِِصْمَةُ مِنَ المِحَنِ، ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ))(2)، واعلَمُوا أَنَّ طَلَبَ العِلْمِ خَيْرُ مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ السَّاعَاتُ، وَعُمِرَتْ بِهِ الأَوقَاتُ، وَلَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُنَوِّهَةً بِفَضْـلِ العِلْمِ وَأَهْـلِهِ، واَلحَثِّ عَلَى تَعلُّمِهِ وَكَسْبِهِ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّـلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَها رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهمًا، وَإِنَّما وَرَّثوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))، وَلَعَلَّ حَدِيثَ المُنَاسَبَةِ يَحْـلُو وَنَحْنُ نُعَايِشُ مَعَ أَبْنَائِنَا الطُّلاَبِ وَفَتَيَاتِنَا الطَّالِبَاتِ إِشْرَاقَةَ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ، وَإِطْلالَةَ مَوْسِمٍ مُتَألِّقٍ فِي العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ وَالتَّحْصِيلِ، تَرتَسِمُ عَلَى مُحَيَّاهُ بَسَمَاتُ الأَمَلِ، وَإِشْرَاقَاتُ الفَأْلِ، في هِمَمٍ وَثَّابَةٍ، وَحُلَلٍ مِنَ الجَلاَلِ وَالجَمَالِ وَالمَهَابَةِ؛ لِتَحْـقِيقِ مُستَقْبَلٍ أَفْضَلَ بِإِذْنِ اللهِ، لِدَفْعِ عَجَلَةِ تَقدُّمِ المُجتَمَعِ وَنَهْضَةِ الأُمَّةِ، لَقَدْ شَرَّفَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الأُمَّةَ حَيْثُ جَعَلَها أُمَّةَ العِلْمِ وَالعَمَلِ مَعًا، إِذْ بِالعِلْمِ تُبْنَى الأَمْجَادُ، وَتُشَيَّدُ الحَضَارَاتُ، بَلْ لاَ يَستَطِيعُ المُسْـلِمُ بِنَاءَ نَفْسِهِ وَتَحقِيقَ العُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ، وَتَقْدِيمَ الخَيْرِ لأُسْرَتِهِ، وَمُجتَمَعِهِ وَأُمَّـتِهِ، إِلاَّ بِالعِلْمِ، وَمَا فَشَا الجَهْـلُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ إِلاَّ قَوَّضَ أَركَانَهَا، وَصَدَّعَ بُنْيَانَهَا، لِذَا جَاءَ النِّدَاءُ الأَوَّلُ الذِي أَطْلَقَهُ الإِسْلاَمُ فِي أَنْحَاءِ المَعْمُورَةِ لِيُنَوِّهَ بِقِيمَةِ العِلْمِ وَيَسْمُوَ بِقَدْرِهِ، وَيَجَعَلَهُ أَوَّلَ لَبِنَةٍ فِي بِنَاءِ الأَفْرَادِ وَالشُّعُوبِ، وَكِيَانِ الأُمَمِ وَالمُجتَمَعَاتِ، قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ مِنَ القُرآنِ: ((?قْرَأْ بِ?سْمِ رَبِّـكَ ?لَّذِى خَلَقَ ))(3)، لَقَدْ رَفَعَ اللهُ تَعَالَى شَأْنَ العِلْمِ وَأَهْـلِهِ، وَبَيَّنَ مَكَانَتَهُمْ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((يَرْفَعِ ?للَّهُ ?لَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْعِلْمَ دَرَجَـ?تٍ وَ?للَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))(4)، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالاستِزَادَةِ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ مِنَ العِلْمِ، فَقَالَ لَهُ: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا))(5)، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا لِلْعِلْمِ مِنْ أَثَرٍ فِي حَيَاةِ البَشَرِ، وَقَدْ بَيَّـنَتِ الآيَاتُ الكَرِيمَةُ أَنَّ الغَايَةَ مِنَ العِلْمِ وَطَلَبِهِ هِيَ الإِيمَانُ بِالخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالتَّحلِّي بِالأَخْلاَقِ الفَاضِلَةِ، وَالوُصُولُ إِلَى الحَيَاةِ الهَنِيئَةِ الكَرِيمَةِ، وَالسَّيْرُ سِيرَةً حَسَنَةً قَوِيمَةً، وَبِهَذَا تَتَّضِحُ غَايَةُ العَمَلِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالتَّعْـلِيمِيَّةِ التِي أَرَادَهَا الإِسْلاَمُ، فَالآيَاتُ القُرْآنِيَّةُ وَالأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ تَرْبِطُ طَلَبَ العِلْمِ بِغَايَاتِهِ النَّبِيلَةِ، وَأَهْدَافِهِ السَّامِيَةِ الجَلِيلَةِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الكَثِيرُ مِنَ أَسْلاَفِنَا غَايَاتِ العِلْمِ وَمَقَاصِدَهُ، فَعَمِلُوا عَلَى تَحقِيقِها وَتَطْبِيقِهَا فِي حَيَاتِهِمْ، فَنَشَأَ أَبْنَاؤُهُمْ عَلَى الإِيمَانِ الثَّابِتِ وَالعِلْمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ وَالقِيَمِ الفَاضِلَةِ، لَقَد طَبَّـقُوا التَّوْجِيهَ التَّربَوِيَّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ القُرآنُ الكَرِيمُ عَنْ لُقْمَانَ الحَكِيمِ، وَهُوَ يَعِظُ وَلَدَهُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ))(6)، إِنَّهُ تَأْسِيسٌ لِمِنْهَاجٍ تَرْبَوِيٍّ شَامِلٍ، وَأُسْـلُوبِ تَعْـلِيمٍ قَوِيمٍ وَكَامِلٍ.
أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :
إِنَّ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ وقُطْبَ الرَّحَى فِي العَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَالتَّربَوِيَّةِ فِئَةٌ لَهَا مَكَانَتُها وَمَنْزِلتُهَا فِي الدِّينِ وَالمُجتَمَعِ وَالأُمَّةِ، فِئَةٌ جَدِيرَةٌ بِالاحتِرَامِ وَالتَّكْرِيمِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمَعَ عِظَمِ التَّشْرِيفِ يَعْظُمُ التَّكْلِيفُ، فَاللهَ اللهَ فِي الاضْطِلاعِ بحَمْـلِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ عَلَى خَيْرِ وَجْهٍ، لَقْدِ ائتَمَنَتْكُمُ الأُمَّةُ عَلَى أَعَزِّ مَا تَمْـلِكُ، عَلَى عُقُولِ فِلْذَاتِ أَكْبَادِهَا، وَأَبكَارِ ثَمَرَاتِ فُؤَادِهَا، فَكُونُوا مُعَلِّمِينَ مَهَرَةً، وَأَسَاتِذَةً بَرَرَةً، وَكُونُوا قُدْوَةً فِي الجَوَانِبِ الخُلُـقِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّةِ، فَيَا أَيُّها المُعَلِّمُ المُبَارَكُ: اجْعَلْ طَوْعَ بَنَانِكَ وخَفْقَ جَنَانِكَ الإِخْلاَصَ للهِ فِي هَذِهِ المُهِمَّةِ العَظِيمَةِ، وَلاَ يَعْزُبْ عَنْ بالِكَ - يَا رَعَاكَ اللهُ - وَأَنْتَ فِي مَيْدَانِ التَّعْـلِيمِ وَالتَّربِيَةِ أَنَّ التَّعْـلِيمَ قُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ يُزدَلَفُ بِهَا إِلَى اللهِ، فَاستَمْسِكْ - أخِي المُعَلِّمَ - بِهَذَا الأَصْلِ الأَصِيلِ، فَبِقَدَرِ تَحَقُّقِهِ لَدَيْـكَ تَجْنِي الثِّمَارَ بِيَدَيْـكَ، إِنَّ مَنْ حَمَلُوا أَمَانَةَ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ أَولَى مَنْ يَتَحلَّى بِالإِخْلاَصِ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ العَظِيمَةِ، إِلَى جَانِبِ القُدْوَةِ وَالتِزَامِ أَخْلاَقِ هَذِهِ المُهِمَّةِ الجَسِيمَةِ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ السَّمْتِِ وَالهَدْيِ الطَّاهِرِ، وَجَمَالِيَّاتِ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَالعَضِّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى الأَخْلاَقِ وَالفَضَائِلِ، ومُرَاعَاةِ كَرِيمِ السَّجَايَا وَالشَّمَائِلِ، هَكَذَا يَكُونُ المُعَلِّمُ النَّاجِحُ؛ المُوَفَّقُ لإِيجَادِ جِيلٍ نَاجِحٍ وَنَشْءٍ صَالِحٍ، فَبُورِكَتْ جُهُودُ المُعَلِّمِينَ الكُفَاةِ، وَسُدِّدَتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ، وَلاَ حَرَمَهُمُ اللهُ ثَوَابَ بَذْلِهِمْ وَعَطَائِهِمْ، فَكَمْ نَفَعَ اللهُ بِهِمُ البِلادَ وَالعِبَادَ، وَكَمْ تَعَلَّمَتِ الأَجْيَالُ مِنْهُمْ كَيْفَ يَكُونُ البَذْلُ وَالعَطَاءُ، فِي مَنْهَجٍ مُتَمَيِّزٍ وَفِكْرٍ نَيِّرٍ وَإِبْدَاعٍ مُتَألِّقٍ، سَيَكُونُ بإِذْنِ اللهِ رَصِيدًا لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَذُخْرًا لَهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ.
أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ :
إِنَّ العَاقِلَ يَسْعَى جَهْدَهُ مِنْ أَجْـلِ أَنْ يَنْجَحَ ابْنُهُ، وَيَفْرَحَ بِهِ مُتَعَلِّمًا مُجتَهِدًا مُجِدًّا مَرْمُوقًا، وَيَنَالُهُ الكَمَدُ وَالحُزْنُ إِنْ لَمْ يُسْعِفْهُ القَدَرُ، وَلَفَظَتْهُ مَقَاعِدُ الدَّرْسِ، هَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ وَتَصَرُّفٌ رَاشِدٌ، وَحتَّى نَظْفَرَ بِالأُولَى وَنَسْـلَمَ مِنَ الأُخْرَى - بإِذْنِ اللهِ - وَجَبَ أَنْ نُعِدَّ لِلنِّهَايَةِ السَّعِيدَةِ أَسْبَابَها، فَالبُيُوتُ لاَ تُؤْتَى سِوَى مِنْ أَبْوَابِهَا، وَالحَاجَاتُ لاَ تُطْلَبُ إلاَّ مِنْ أَرْبَابِهَا، أَلاَ وَإنَّ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاحِ، وَمِنْ عَوَامِلِ الرُّقِيِّ وَالصَّلاَحِ، تَعْوِيدَ الطَّالِبِ احتِرَامَ مُعَلِّمِهِ وَالقِيَامَ بِحَقِّهِ، إِنَّ التَّوَاضُعَ لِلْمُعَلِّمِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الفَلاَحِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْصِيلِ، هََكَذا هُوَ سَمْتُ المُتَعَلِّمِ، يَعْـلَمُ أَنَّ تَواضُعَهُ لِمُعَلِّمِهِ عِزٌّ لَهُ، وَأَنَّ خُضُوعَهُ لأُستَاذِهِ فَخْرٌ لَهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْرِصُوا عَلَى تَعَلُّمِ العِلْمِ النَّافِعِ، وَتَعَلَّمُوا لِذَلِكَ السَّكِينَةَ وَالوَقَارَ، هَذِّبُوا بِهِ أَخْلاَقَكُمْ، وَقَوِّمُوا بِهِ أَفْعَالَكُمْ وَأَقْوَالَكُمْ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ المَسِيرَةَ التَّعلِيمِيَّةَ تَحتَاجُ إِلَى تَضَافُرِ كُلِّ الجُهُودِ المُخْلِصَةِ لإِنْجَاحِهَا وَتَقدُّمِهَا وَاستِمْرَارِهَا، فَلاَ تَقَعُ المَسؤُولِيَّةُ عَلَى عَاتِقِ الهَيْئَاتِ التَّدْرِيسِيَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ يُشَارِكُهَا فِي المَسؤُولِيَّةِ البَيْتُ وَالمُجتَمَعُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَلاَقَةٌ بِعَمَلِيَّةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعْـلِيمِ؛ وَإِذَا كَانَتِ المُجتَمَعَاتُ المُتَقَدِّمَةُ لاَ تَقُومُ إِلاَّ عَلَى أُسُسِ العِلْمِ وَالاستِفَادَةِ مِنْ طَاقَاتِ العُلَمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَتَحقَّقُ إِلاَّ بِتَضَافُرِ جُهُودِ هَيْئَاتِ التَّدْرِيسِ وَجُهُودِ الأُمَّهَاتِ وَالآبَاءِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ أَدَاءِ الأُسْرَةِ لِدَوْرِهَا، وَقِياَم ِشرَيِحَةِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ بِعَظِيمِ وَاجِبِهَا، وَذَلِكَ مِنَ التَّعَاوُنِ الحَمِيدِ، الذِي أََمَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ المَجِيدِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))(7)، وَالابْنُ وَدِيعَةٌ أَوْدَعَهَا اللهُ الأَبَوَيْنِ؛ يَقُومَانِ بِمَا يَحْـفَظُ عَلَيْهِ سَلاَمَتَهُ وَتَنْشِئَتَهُ تَنْشِئَةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً، هَذَا وَإِنَّ مِنَ العِيِّ وَالإِخْفَاقِ بِمَكَانٍ، أَنْ يُتْقِنَ الأَبُ لُغَةَ الشَّكْوَى وَالعِتَابِ بِاللِّسَانِ، فَتَجِدَهُ يَتَفَنَّنُ فِي إِلْصَاقِ التَّقْصِيرِ بِالمَدَارِسِ وَالمُعَلِّمِينَ، وَهُوَ لاَ يُقدِّمُ لابْنِهِ سَاعَةً مِنْ يَوْمِهِ، يُكْسِبُهُ فِيهَا مَا يَمْنَحُهُ الشَّرَفَ فِي مُجتَمَعِهِ وَقَوْمِهِ، حتَّى إِذَا رَأَى ثِمَارَ الآبَاءِ المُجِيدِينَ، وَنَتَائِجَ الأُسْرَةِ الجَادَّةِ فِي البَنَاتِ وَالبَنِينَ، أَخَذَ يَشْكُو حَظَّهُ العَاثِرَ، وَيَبْكِي عَلَى سَعْيِهِ الخَاسِرِ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَشْكُو إِلَيْهِ عُقُوقَ ابْنِهِ، فَأَحْضَرَ عُمَرُ الوَلَدَ وَأنَّبَهُ عَلَى عُقُوقِهِ لأَبِيهِ، فَقَالَ الوَلَدُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، أَلَيْسَ لِلْوَلَدِ حُقُوقٌ عَلَى أَبِيهِ؟ قَالَ عُمَرُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ فَذَكَرَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بَعْضَ الحُقُوقِ، فَقَالَ الوَلَدُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَفْعَلْ شَيِئًا مِنْ ذَلِكَ، فَالتَفَتَ عُمَرُ إِلَى الرَّجُلِ، وَقالَ لَهُ: جِئْتَ إِليَّ تَشْكُو عُقُوقَ ابْنِكَ، وَقَدْ عَقَقْتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُقَّكَ، وَأَسَأْتَ إِلَيْهِ قَبْـلَ أَنْ يُسِيءَ إِلَيْـكَ، فَيَا أَيُّهَا الأَبُ الغَيُورُ عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَيَا أَيَّـتُها الأُمُّ الحَرِيصَةُ عَلَى مَصْـلَحَةِ فِلْذَاتِ كَبِدِكِ، أَكْسِبَا أَوَلاَدَكُمَا العِلْمَ وَالأَخْلاَقَ، وَلْتَتَضَافَرْ جُهُودُكُمَا فِي ذَلِكَ مَعَ جُهُودِ المُؤَسَّسَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَقُومُوا بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ فِي أَوْلاَدِكُمْ، اعطِفُوا عَلَيْهِمْ بِمَا يَحتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالحَنَانِ، وَرَبُّوهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ وَالإِحْسَانِ، تَعِيشُوا وَإِيَّاهُمْ عِيشَةً مُفْعَمَةً بِالسَّعَادَةِ وَالأَمَانِ، وَيَجْمَعْـكُمُ اللهُ بِهِمْ فِي الجِنَانِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))(8).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
المصدر موقع خطب الجمعة
 
أعلى