Z
zxc
-
- إنضم
- 17 فبراير 2015
-
- المشاركات
- 96,377
-
- مستوى التفاعل
- 58
غير متصل
رمضان وتأثير القرآن في النفوس
القُرآنَ هُوَ مُفجِّرُ العُلُومِ ومَنبَعُهَا، ودَائِرةُ شَمسِهَا ومَطلَعُهَا، أَودَعَ اللهُ فيهِ عِلمَ كلِّ شَيءٍ، وأبانَ فيهِ كلَّ هَدْيٍ وَغَيٍّ..
فهُوَ كِتابُ اللهِ، كُلِّيَّةُ الشَّرِيعَةِ، وَعُمْدَةُ الْمِلَّةِ، وَيَنْبُوعُ الْحِكْمَةِ، وَآيَةُ الرِّسَالَةِ، وَنُورُ الْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ.. لَا طَرِيقَ إِلَى اللَّهِ سِوَاهُ، وَلَا نَجَاةَ بِغَيْرِهِ، وَلَا تَمَسُّكَ بِشَيْءٍ يُخَالِفُهُ.. لَزِمَ ضَرُورَةً لِمَنْ رَامَ الوُصولَ للجِنَانِ أَنْ يَتَّخِذَهُ سَمِيرَهُ وَأَنِيسَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ جَلِيسَهُ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي نَظَرًا وَعَمَلًا، فمَن فَعلَ: أَوشَكَ أَنْ يَفُوزَ بِالْبُغْيَةِ، وَأَنْ يَظْفَرَ بالطُّلْبَةِ، وأنْ يَجِدَ نَفسَهُ مِنَ السَّابِقِينَ في الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ.
القُرآنُ... أَنزَلَهُ اللهُ رَحمَةً للعَالَمِينَ، يَهدِي للتي هِيَ أَقوَمُ، ويُبشِّرُ بكُلِّ خَيرٍ وفَضلٍ جَزِيلٍ، ويُحَذِّرُ مِن كلِّ شرٍّ وضَلالٍ مُبِينٍ، قَالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾.
القُرآنُ... أَنزَلَهُ اللهُ مَوعِظَةً وشِفَاءً وهُدَىً ورَحمَةً؛ قَالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
القُرآنُ...أَنزَلَهُ اللهُ نُورًا وكِتابًا مُبِينًا، وجَعلَهُ للحقِّ صِراطًا مُستَقِيمًا؛ قالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
القُرآنُ... هو الذِي تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ المؤمِنينَ، وتَرِقُّ لَه أَفئِدَتُهُمْ، وتَذْرِفُ الدُّموعَ مِن حَلاوتِهِ أَعيُنُهُم، قالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.
القُرآنُ... فيه الهِدايةَ والتَّوفيقَ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ واتَّعظَ بِهِ بإذنِ اللهِ، ومِن رَحمَةِ اللهِ بعِبادِهِ أَن يَسَّرَ لَهُم قِراءَتَهُ والاتِّعَاظَ بهِ؛ قالَ ربُّكُم جلَّ وعَلا: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾، ولِذَا فإنَّ مِن فَتَحَ قَلبَهُ للقرآنِ وجَدَ لَه حَلاوةً لا تَعْدِلُهَا حَلاوةٌ. فالإنسُ والجِنُّ، والمؤمنُ والكافرُ، والذَّكرُ والأُنثَى، والصَّغيرُ والكَبيرُ.. كُلٌّ أَذْعَنَ لجمالِ القُرآنِ وعَظَمَتِهِ، لَمْ يَتمَالَكِ المشركونَ حِينَمَا سَمعُوا سُورةَ النَّجمِ إلاَّ أَنْ سَجَدُوا مَعَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، حتَّى قَالَ القَائِلُ يَومَهَا: (إنَّ مَكةَ كُلَّهَا قَد أَسْلَمَتْ).
القُرآنُ... حينمَا سَمِعَهُ عُتبةُ بنُ رَبِيعَةَ لَم يَملِكْ إلاَّ الإِذعَانَ والخُضُوعَ بقَلبِهِ حتَّى وإِنْ ظَلَّ علَى كُفرِهِ، لكِنَّهُ أَقرَّ بالحقيقةِ التِي طَالَمَا أَنكَرَهَا كُفارُ قُريشٍ؛ فقدْ ذَكَرَ ابنُ هِشَامٍ في "السِّيرةِ" أنَّ عُتْبَةَ قَامَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، اسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنَّا بَعْضَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعُ" حَتَّى إِذَا فَرَغَ عُتْبَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ مِنْهُ قَالَ: "أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاسْتَمِعْ مِنِّي" قَالَ: أَفْعَلُ. قَالَ: ﴿بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ * حم * تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾.
ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ انْتَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: "قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ"، فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي وَاللَّهِ قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسِّحْرِ وَلَا بِالشِّعْرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا لِي، خَلُّوا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاللَّهِ ليكونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ.
القُرآنُ... الذِي خَرجَ أَبو جَهْلٍ وَأَبو سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسُ لَيْلَةً لِيَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، -كما ذَكرَ الحَافِظُ ابنُ كَثيرٍ- فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ مِنْهُ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَعُودُوا فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا. ثُمَّ انْصَرَفُوا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ فَعَلُوا مِثلَ ذَلكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ فَعَلُوا مِثلَ ذَلكَ، فَلما جَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالُوا: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَنْ لَا نَعُودَ فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.. ولسانُ حَالِهِمْ:
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ = وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ = زيَّنَهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ = يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتقوى وَبِالرحِمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً = حَديثُكَ الشهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
أيُّهَا الإِخوةُ.. لَئِنْ كَانَ عُتبةُ وأَبُو جَهْلٍ وَأَبو سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسُ وهُمُ العَربُ الفُصَحَاءُ الأَقْحَاحُ فَعلُوا ذَلكَ عِندمَا سَمِعُوا القرآنَ، فإنَّ النَّجَاشِيَّ الأَعجَمِيَّ الذي لا يَنطِقُ العَربيةَ أَصلاً لَمَّا سَمِعَ القرآنَ بَكَى وأَبكَى.
روَى الإِمامُ أَحمدُ مِن حَديثِ أمِّ سَلَمَةَ رَضي اللهُ عنها أنَّه لَمَّا دَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى النَّجَاشِيِّ قَالَ لهم: هَلْ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ سورةِ مَريَمَ فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ, وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ).
القُرآنُ.. لَم يَكُنْ لِيؤثِّرَ أو لِيَخْضَعَ لِعظَمَتِهِ الإِنسُ فحَسبُ، بلْ هَؤلاءِ الجِنُّ سَمِعُوا فاهْتَدَوا وأَسلَمُوا وأَذعَنُوا... ففي البُخاريِّ ومُسلمٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما:
أنَّ نَفرًا مِنَ الجِنِّ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ فوجَدُوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، ثم رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا *يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ﴾. هذَا هُوَ القُرآنُ يَا أُمَّةَ القُرآنِ.. بهِ فَخُذُوا، ولآيَاتِهِ فتَدَبَّرُوا، ولِوَعْدِهِ ووَعِيدِهِ فاجْتَهِدُوا واعمَلُوا واحْذَرُوا وأَمِّلُوا.
فهُوَ كِتابُ اللهِ، كُلِّيَّةُ الشَّرِيعَةِ، وَعُمْدَةُ الْمِلَّةِ، وَيَنْبُوعُ الْحِكْمَةِ، وَآيَةُ الرِّسَالَةِ، وَنُورُ الْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ.. لَا طَرِيقَ إِلَى اللَّهِ سِوَاهُ، وَلَا نَجَاةَ بِغَيْرِهِ، وَلَا تَمَسُّكَ بِشَيْءٍ يُخَالِفُهُ.. لَزِمَ ضَرُورَةً لِمَنْ رَامَ الوُصولَ للجِنَانِ أَنْ يَتَّخِذَهُ سَمِيرَهُ وَأَنِيسَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ جَلِيسَهُ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي نَظَرًا وَعَمَلًا، فمَن فَعلَ: أَوشَكَ أَنْ يَفُوزَ بِالْبُغْيَةِ، وَأَنْ يَظْفَرَ بالطُّلْبَةِ، وأنْ يَجِدَ نَفسَهُ مِنَ السَّابِقِينَ في الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ.
القُرآنُ... أَنزَلَهُ اللهُ رَحمَةً للعَالَمِينَ، يَهدِي للتي هِيَ أَقوَمُ، ويُبشِّرُ بكُلِّ خَيرٍ وفَضلٍ جَزِيلٍ، ويُحَذِّرُ مِن كلِّ شرٍّ وضَلالٍ مُبِينٍ، قَالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾.
القُرآنُ... أَنزَلَهُ اللهُ مَوعِظَةً وشِفَاءً وهُدَىً ورَحمَةً؛ قَالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
القُرآنُ...أَنزَلَهُ اللهُ نُورًا وكِتابًا مُبِينًا، وجَعلَهُ للحقِّ صِراطًا مُستَقِيمًا؛ قالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
القُرآنُ... هو الذِي تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ المؤمِنينَ، وتَرِقُّ لَه أَفئِدَتُهُمْ، وتَذْرِفُ الدُّموعَ مِن حَلاوتِهِ أَعيُنُهُم، قالَ رَبُّكُم جلَّ وعَلا: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.
القُرآنُ... فيه الهِدايةَ والتَّوفيقَ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ واتَّعظَ بِهِ بإذنِ اللهِ، ومِن رَحمَةِ اللهِ بعِبادِهِ أَن يَسَّرَ لَهُم قِراءَتَهُ والاتِّعَاظَ بهِ؛ قالَ ربُّكُم جلَّ وعَلا: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾، ولِذَا فإنَّ مِن فَتَحَ قَلبَهُ للقرآنِ وجَدَ لَه حَلاوةً لا تَعْدِلُهَا حَلاوةٌ. فالإنسُ والجِنُّ، والمؤمنُ والكافرُ، والذَّكرُ والأُنثَى، والصَّغيرُ والكَبيرُ.. كُلٌّ أَذْعَنَ لجمالِ القُرآنِ وعَظَمَتِهِ، لَمْ يَتمَالَكِ المشركونَ حِينَمَا سَمعُوا سُورةَ النَّجمِ إلاَّ أَنْ سَجَدُوا مَعَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، حتَّى قَالَ القَائِلُ يَومَهَا: (إنَّ مَكةَ كُلَّهَا قَد أَسْلَمَتْ).
القُرآنُ... حينمَا سَمِعَهُ عُتبةُ بنُ رَبِيعَةَ لَم يَملِكْ إلاَّ الإِذعَانَ والخُضُوعَ بقَلبِهِ حتَّى وإِنْ ظَلَّ علَى كُفرِهِ، لكِنَّهُ أَقرَّ بالحقيقةِ التِي طَالَمَا أَنكَرَهَا كُفارُ قُريشٍ؛ فقدْ ذَكَرَ ابنُ هِشَامٍ في "السِّيرةِ" أنَّ عُتْبَةَ قَامَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، اسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنَّا بَعْضَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعُ" حَتَّى إِذَا فَرَغَ عُتْبَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ مِنْهُ قَالَ: "أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاسْتَمِعْ مِنِّي" قَالَ: أَفْعَلُ. قَالَ: ﴿بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ * حم * تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾.
ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ انْتَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: "قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ"، فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي وَاللَّهِ قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسِّحْرِ وَلَا بِالشِّعْرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا لِي، خَلُّوا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاللَّهِ ليكونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ.
القُرآنُ... الذِي خَرجَ أَبو جَهْلٍ وَأَبو سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسُ لَيْلَةً لِيَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، -كما ذَكرَ الحَافِظُ ابنُ كَثيرٍ- فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ مِنْهُ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَعُودُوا فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا. ثُمَّ انْصَرَفُوا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ فَعَلُوا مِثلَ ذَلكَ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ فَعَلُوا مِثلَ ذَلكَ، فَلما جَمَعَهُمُ الطَّرِيقُ، فَقَالُوا: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَنْ لَا نَعُودَ فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.. ولسانُ حَالِهِمْ:
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ = وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ = زيَّنَهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ = يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتقوى وَبِالرحِمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً = حَديثُكَ الشهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
أيُّهَا الإِخوةُ.. لَئِنْ كَانَ عُتبةُ وأَبُو جَهْلٍ وَأَبو سُفْيَانَ وَالْأَخْنَسُ وهُمُ العَربُ الفُصَحَاءُ الأَقْحَاحُ فَعلُوا ذَلكَ عِندمَا سَمِعُوا القرآنَ، فإنَّ النَّجَاشِيَّ الأَعجَمِيَّ الذي لا يَنطِقُ العَربيةَ أَصلاً لَمَّا سَمِعَ القرآنَ بَكَى وأَبكَى.
روَى الإِمامُ أَحمدُ مِن حَديثِ أمِّ سَلَمَةَ رَضي اللهُ عنها أنَّه لَمَّا دَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَلَى النَّجَاشِيِّ قَالَ لهم: هَلْ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا جَاءَ بِهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ سورةِ مَريَمَ فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ, وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ).
القُرآنُ.. لَم يَكُنْ لِيؤثِّرَ أو لِيَخْضَعَ لِعظَمَتِهِ الإِنسُ فحَسبُ، بلْ هَؤلاءِ الجِنُّ سَمِعُوا فاهْتَدَوا وأَسلَمُوا وأَذعَنُوا... ففي البُخاريِّ ومُسلمٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما:
أنَّ نَفرًا مِنَ الجِنِّ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ فوجَدُوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، ثم رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا *يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ﴾. هذَا هُوَ القُرآنُ يَا أُمَّةَ القُرآنِ.. بهِ فَخُذُوا، ولآيَاتِهِ فتَدَبَّرُوا، ولِوَعْدِهِ ووَعِيدِهِ فاجْتَهِدُوا واعمَلُوا واحْذَرُوا وأَمِّلُوا.
اسم الموضوع : رمضان وتأثير القرآن في النفوس
|
المصدر : • رمضآنيات عأمة ∫