ج
جود الحياة
غير متصل
أحكام الصّوْم~ موضوع شامل

المقدمه
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
)]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[/
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ [ هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ يعلمها أصحابه وهي سنة في كل خطبة وفاتحة أي كتاب خلافا لمن حصرها على خطبة النكاح فقط أو قال أنها تذكر في بعض خطب الجمعة ولا تذكر في كل خطبة !! وسماحة الشيخ ناصر الدين الألباني رسالة حول هذه الخطبة فراجعها إن شئت .
* ملحوظة : ترقيم الأحاديث كالتالي : البخاري ترقيم الطبعة السلفية ، ومسلم ترقيم عبدالباقي ، وأبو داود ترقيم محي الدين ، والترمذي ترقيم أحمد شاكر ، والنسائي ترقيم أبو غدة ، وابن ماجه ترقيم الأعظمي ، وموطأ مالك ترقيم علمي وزميلي ]..
هذه جملة من آداب الصيام وأحكامه أردت بها المذاكرة مع إخواني من طلبة العلم ، وفيها جملة من الآداب والأحكام المتعلقة بالصيام . وذكرت الآداب من باب التذكير والعظة ، وأما الأحكام فشرطي فيها هو الجمع لكل أحكام الصيام مع بيان الحكم بالدليل مع مرعاة الاختصار في هذا كله ، وسأخرج الأحاديث من مصدر واحد فقط ؛ وسأحرص على الحكم عليها ما أمكن . ويندر أن أطيل في المسائل وقد أذكر المسألة عرضا ضمن غيرها من المسائل . وهذا البحث كنت قد قيدته منذ أربع سنوات تقريبا وما زلت أزيد فيه وأنقص حتى ظهر بهذا الشكل الذي أسأل الله تعالى أن يكون لائقا .
وإني آمل من كل من وجد خطأ أو ظهر له أني نسيت مسألة أن لا يبخل بها عليّ ونعم الهدية هي ، فإن طالب العلم ما لايزال يبحث المسألة ويتحرى الدليل وفهم وجه الأستدلال منه والذي قد يغيب عنه تارة ويظهر له أخرى ، وكم مسألة تجد أن طالب العلم يقول بها ثم يرجع عنها لظهور معارض أو وقوفه على دليل لم يقف عليه من قبل أو زوال إشكال كان عنده في قول آخر ، وكل هذا من ضعف بني آدم وقلة ما أوتوا من العلم .
وإني أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للأخوين الفاضلين الشيخ عبد الله زقيل على ما أسدى من ملحوظات على البحث والشيخ أسامة بن عطايا بن عثمان الذي خرج حديث القئ فجزاهما الله خير الجزاء .
وكتبه
عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
تعريف الصيام
لغة : الإمساك
شرعا : قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : إمساك مخصوص في زمن مخصوص من شيء مخصوص بشرائط مخصوصة .
وقال العلامة العثيمين : هو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. [الممتع ـ 6/ 310].
قلت : ولفظ التعبد يفرق به بين الممتنع عن الطعام والشراب والجماع فقط بلا نية وبين من نوى ، وهو ضابط جيد.
أدلة وجوب الصيام
1. من الكتاب قال تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
وقال تعالى : [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
2. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ) [متفق عليه أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب بني الإسلام على خمس].
3. الإجماع : أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان على المسلمين وأن من أنكر وجوبه كفر
حكم تارك الصيام :
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى : وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان من غير عذر أنه شرّ من الزاني ومدمن الخمر ، بل يشكّون في إسلامه ، ويظنّون به الزندقة والانحلال . وقال شيخ الإسلام رحمه الله : إذا أفطر في رمضان مستحلا لذلك وهو عالم بتحريمه استحلالا له وجب قتله ، وإن كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان [مراتب الإجماع ـ ابن حزم ـ 70].
الحكمة من مشروعية الصيام
1. أن فيه تضييقا لمجارى الشيطان في بدن الإنسان فيقيه غالبا من الأخلاق الرديئة ويزكي نفسه .
2. فيه تزهيد في الدنيا وشهواتها وترغيب في الآخرة .
3. فيه باعث على العطف على المساكين والإحساس بأحوالهم .
4. فيه تعويد النفس على طاعة الله جل وعلا بترك المحبوب تقربا لله
جملة من آداب الصيام
بعض الآداب العامة
إن لكل عبادة آدابا وأحكاما ؛ وهذه جملة من آداب الصيام قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ ـ مَرَّتَيْنِ ـ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) [متفق عليه أخرجه البخاري كتاب الصوم باب فضل الصوم برقم : 1894] . قوله : (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) زاد سعيد بن منصور عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد (جُنَّةٌ مِنْ النَّارِ) وللنسائي من حديث عائشة مثله وله من حديث عثمان بن أبي العاص (الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال) ولأحمد من طريق أبي يونس عن أبي هريرة: (جنة وحصن حصين من النار) وله من حديث أبي عبيدة ابن الجراح (الصيام جنة ما لم يخرقها) زاد الدارمي (بالغيبة) وبذلك ترجم له هو وأبو داود ، وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار ، وبهذا جزم ابن عبد البر . وأما صاحب (النهاية) فقال : معنى كونه جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات . وقال القرطبي : جنة أي سترة ، يعني بحسب مشروعيته ، فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه ، وإليه الإشارة بقوله: ( فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث إلخ) ، ويصح أن يراد أنه ستره بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس ، وإليه الإشارة بقوله: ( يدع شهوته إلخ) ، ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات . وقال عياض في (الإكمال) : معناه سترة من الآثام أو من النار أو من جميع ذلك وقال ابن العربي : إنما كان الصوم جنة من النار لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات. فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساترا له من النار في الآخرة . وفي زيادة أبي عبيدة بن الجراح إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام ، وقد حكى عن عائشة ، وبه قال الأوزاعي : إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم . وأفرط ابن حزم فقال : يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا [المحلى ـ ابن حزم ـ( 4 / 177 )] .، لعموم قوله: (فلا يرفث ولا يجهل) ولقوله في الحديث الآتي بعد أبواب (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) والجمهور وإن حملوا النهي على التحريم إلا أنهم خصوا الفطر بالأكل والشرب والجماع [الفتح ـ(4 / 595 ) ].) . قال النسائي : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا [النسائي ـ كتاب : الصيام باب : ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ الصَّائِمِ برقم : 2233 . ترقم أبو غدة].
والرفث : الكلام الفاحش وكذا الجماع ، والجهل : الصياح والسفه .
ويكون خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك في الآخرة للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أَبَي هُرَيْرَةَ عن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وفيه : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)قال الإمام العز بن عبد السلام : ـ رحمه الله ـ مثل المجاهد يثعب جرحه دما ؛ اللون لون دم والريح ريح مسك .
والصيام اختص به الله تعالى لأن فيه سرية ؛ وأن مداره على القلب و قيل انفرد بمعرفة مقدار ثوابه وبضعف حسناته حيث أن باقي الأعمال الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف أما الصيام فهو لله تعالى يثيب عليه بغير تقدير .
وإن من الأحاديث التي تُرهّب من عمل الذنوب في نهار رمضان قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ ) وقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) [رواه الإمام أحمد والدرمي وابن ماجة واللفظ له في كتاب الصيام ـ باب ما جاء في المباشرة للصائم برقم : 1692]. فمغبون من صام و لم يكتب له شيء من الأجر .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ).
آداب الصائم
يستحب للصائم أن يراعي في صيامه الآداب الآتية:
(1) السحور:
وقد أجمعت الأمة على استحبابه، وأنه لا إثم على من تركه ، فعن أنس - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " تسحروا فإن في السَّحور بركة ".رواه البخاري، ومسلم.
وعن المقدام بن مَعْد يكرب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " عليكم بهذا السحور، فإنه هو الغذاء المبارك ".رواه النسائي، بسند جيد
وسبب البركة: أنه يقوي الصائم، وينشطه، ويهون عليه الصيام.
بم يتحقق: ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله، ولو بجرعة ماء.
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " السحور بركة، فلا تَدَعُوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ".رواه أحمد
وقته: وقت السحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره.
فعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه – قال: تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية. رواه البخاري، ومسلم.
وعن عمرو بن ميمون قال: كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أعجل الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً.رواه البيهقي بسند صحيح.
وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - مرفوعا: " لا تزال أمتي بخير، ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور ".وفي سنده سليمان بن أبي عثمان، وهو مجهول.
الشك في طلوع الفجر: ولو شك في طلوع الفجر، فله أن يأكل، ويشرب، حتى يستيقن طلوعه ، ولا يعمل بالشك، فإن الله - عز وجل - جعل نهاية الاكل والشرب التَّبَيُّن نفسه، لا الشك، فقال: " وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ".(البقرة:187) ، وقال رجل لابن عباس - رضي الله عنهما-: إني أتسحر فإذا شككت أمْسَكتُ، فقال ابن عباس: كل، ما شككت حتى لا تشك.
وقال أبو داود، قال أبو عبد الله (هو أحمد بن حنبل): " إذا شك في الفجر يأكل حى يستيقن طلوعه ".وهذا مذهب ابن عباس، وعطاء، والاوزاعي، وأحمد.
وقال النووي: وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر.
(2) تعجيل الفطر:
ويستحب للصائم أن يعجل الفطر، متى تحقق غروب الشمس.
فعن سهل بن سعد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يزال الناس بخير، ما عجلوا الفطر ".رواه البخاري ومسلم.
وينبغي أن يكون الفطر على رطبات وتراً، فإن لم يجد فعلى الماء.
فعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رُطَبَات قبل أن يُصَلي، فإن لم تكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن، حسا حسواتٍ (أي: شرب) من ماء ".رواه أبو داود، والحاكم وصححه، والترمذي وحسنه.
وعن سلمان بن عامر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا كان أحدكم صائما، فليُفطِر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور ".رواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح.
وفي الحديث دليل على أنه يستحب الفطر قبل صلاة المغرب بهذه الكيفية، فإذا صلى تناول حاجته من الطعام بعد ذلك، إلا إذا كان الطعام موجودا، فإنه يبدأ به، قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قُدّم العَشَاء فابدءوا به قبل صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم ".رواه الشيخان.
(3) الدعاء عند الفطر وأثناء الصيام:
روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ".
وكان عبد الله إذا أفطريقول: " اللهم إني أسألك - برحمتك التي وسعت كل شئ - أن تغفر لي ".
وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الاجر إن شاء الله تعالى ".
وروي مرسلا: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت ".
وروى الترمذي - بسند حسن - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر ، والامام العادل، والمظلوم ". ويستفاد منه في استحباب الدعاء طول مدة الدعاء ولكن الحديث ضعيف
(4) الكف عما يتنافى مع الصيام
الصيام عبادة من أفضل القربات، شرعه الله تعالى ليهذب النفس، ويعودها الخير.
فينبغي أن يتحفظ الصائم من الأعمال التي تخدش صومه، حتى ينتفع بالصيام، وتحصل له التقوى التي ذكرها الله في قوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".وليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب، وإنما هو إمساك عن الأكل، والشرب، وسائر ما نهى الله عنه.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّك أحد، أو جهل عليك، فقل إني صائم، إني صائم ".رواه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وروى الجماعة - إلا مسلماً - عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من لم يَدَع (أي: يترك) قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ". ( أي: ليس لله إرادة في قبول صيامه ، أي ان الله لا يقبل صيامه )
وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ".رواه النسائي، وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري.
(5) السواك:
ويستحب للصائم أن يتسوك أثناء الصيام، ولا فرق بين أول النهار وآخره.
قال الترمذي: " ولم ير الشافعي بالسواك، أول النهار وآخره بأسا ".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك، وهو صائم.
(6) الجود ومدارسة القرآن:
الجود ومدارسة القرآن مستحبان في كل وقت، إلا أنهما آكد في رمضان.
روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدَارسُه القرآن فلَرَسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة (أي في الإسراع والعموم).
(7) الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان:
1 - روى البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم : " كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر ".
وفي رواية لمسلم : " كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ".
2 - وروى الترمذي وصححه، عن علي - رضي الله عنه - قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوقظ أهله في العشر الأواخر، ويرفع المئزر ".
المصدر: كتاب فقه السنة للشيخ العلامة الفاضل / السيد سابق رحمه الله.
فضل الصيام
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) [متفق عليه وأخرجه البخاري في كتاب الصيام الجهاد والسير ـ باب فضل الصوم في سبيل الله ـ برقم : 2840 ].
عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ) [أخرجه افمام احمد والترمذي في كتاب الصوم عن رسول الله ـ باب الصوم في الشتاء . برقم : 797 . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ عَامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَالِدُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ الْقُرَشِيِّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ ، ترقيم شاكر].
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) [متفق عليه ـ أخرجه البخاري في كتاب الصيام ـ باب : الريان للصائمين برقم : 1896 ، ترقيم : عبدالباقي].
فضل شهر رمضان
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ)[متفق عليه ـ أخرجه البخاري في كتاب الصيام باب هل يقال شهر رمضان .. برقم :1899].
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ).
متى يبدأ وجوب الصوم
ويبدأ صيام شهر رمضان بدخوله وذلك بشهادة عدل ثقة قوى البصر ويكفى إخباره بذلك لما روي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ( تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ ) [أخرجه أبو داود والدارمي].
أو بإكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوما لأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين لما روي عن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ) إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاثِينَ)
ويبدأ صيام كل يوم بطلوع الفجر الصادق و هو أشعة أفقية تخرج من الشمال للجنوب ويزيد نورها ولا يقل ، وإذا دخل الفجر يجب على الصائم الامتناع عن الطعام و الشراب . أما ما يفعله بعضهم من الامتناع قبل عشرة دقائق أو أكثر فإنه بدعة منكرة كما أفتى بذلك سماحة الوالد الشيخ ابن باز والعثيمين . ويستمر إلى دخول وقت صلاة المغرب لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ : ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) [أخرجه البخاري ـ كتاب الصوم ـ باب متى يحل فطر الصائم].ومن أفطر في أحد أيام رمضان قبل دخول وقت المغرب بغير عذر فقد أتى كبيرة عظيمة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا التي رآها : ( حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار ، ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دما ، قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يُفطرون قبل تحلّة صومهم) أي قبل وقت الإفطار[صحيح الترغيب 1/420].
أهل الصيام
يجب الصيام على كل مسلم عاقل بالغ قادر مقيم ، ولا يجب على الصغير ويصح منه [قيده بعض العلماء بالمميز والذي عمره سبع سنين والصحيح أن يصح ولو كان عمره أقل من سبع ما دام يدرك ويفهم الخطاب ، وأقصد بفهم الخطاب أن يقال للطفل ستترك الأكل والشراب حتى يحبك الله الذي أنعم علينا ورزقنا فيفهم هذا والأطفال بالجملة يفهون مثل هذه المعني خاصة من تربوا على هذا] .وله أجر الصيام على الصحيح ـ ولوالديه أجر التعليم والتربية والحث على الصيام ـ ولا يصح من مجنون ولا شيخ خرف ولو صاماه ، ولا يجوز من حائض ولا نفساء.
من يجوز لهم الفطر وأحكامهم
1. المسافر : وهو من فارق البنيان بنية السفر ويجوز له الفطر إذا عزم عزما أكيدا على سفره قال تعالى : .{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[/url] والعلة في الفطر السفر وليست المشقة فكل سفر يجوز فيه الفطر ولو كان سفرا مريحا بالطائرة أو بغيرها .
ومسألة متي يفطر الصائم فيها خلاف والراجح هو ما ذكرنا وهو أنه يبدأ من حيث عزم على السفر للأحاديث والآثار التالية :
أولا: ما أخرجه الترمذي وغيره عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْتُ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا وَقَدْ رُحِلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ فَقُلْتُ لَهُ سُنَّةٌ قَالَ سُنَّةٌ [قول الصحابي من السنة كذا دليل على الرفع مثل أمرنا أو كنا نفعل على عهد رسول الله] . ثُمَّ رَكِبَ ) ، قال ابن العربي في العارضة : هذا الحديث صحيح ولم يقل به إلا أحمد , أما علماؤنا فمنعوا منه, وأما حديث أنس فحديث صحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر لكن بقي الكلام في قوله إنها سنة هل يقتضي أن ذلك مقتضى الشرع والدليل أنه حكم رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ لاحتماله، والصحيح أنه يقتضى به لأن قول أنس هي سنة يبعد أن يراد به اجتهادي وما اقتضاه نظري فلم يكن بدا من أن يرجع إلى التوقف .
ثانيا : ما رواه أبو داود وغيره عن جَعْفَرٌ ابْنُ جَبْرٍ قَالَ : ( كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَرُفِعَ ثُمَّ قُرِّبَ غَدَاهُ قَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ فَلَمْ يُجَاوِزْ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ قَالَ اقْتَرِبْ قُلْتُ أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ قَالَ أَبُو بَصْرَةَ أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَعْفَرٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَكَلَ). وقال الشوكاني في النيل : وهذان الحديثان يعني حديث أنس وحديث عبيد بن جبر يدلان على أنه يجوز للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه والحق أن قول الصحابي من السنة ينصرف إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم , وقد صرح هذان الصحابيان بأن الإفطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة
ثالثا : ما أخرجه أبو داود وغيره عَنْ مَنْصُورٍ الْكَلْبِيِّ) أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ ـ رضي الله عنه ـ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ دِمَشْقَ مَرَّةً إِلَى قَدْرِ قَرْيَةِ عُقْبَةَ مِنْ الْفُسْطَاطِ وَذَلِكَ ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ إِنَّهُ أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ مَعَهُ نَاسٌ وَكَرِهَ آخَرُونَ أَنْ يُفْطِرُوا فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَرَاهُ إِنَّ قَوْمًا رَغِبُوا عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُ ذَلِكَ لِلَّذِينَ صَامُوا ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ اللَّهُمَّ اقْبِضْنِي إِلَيْكَ) قال العلامة المحدث الشيخ ناصر الدين وهو قول ابن عبد البر والقرطبي ـ رحمهم الله ـ ومن خلال هذه الآثار الثلاث يظهر جليا لكل منصف أن الفطر في السفر يكون قبل الخروج من البلد وذلك لمن أراد الفطر ، حيث إن الصحابة الثلاث ذكروا أنه سنة وحكمه الرفع يقينا .
وأيهما الأفضل الفطر أم الصيام ؟
فيه خلاف قال بعض العلماء الأرفق به هو الأفضل فأيهما شاء فعل ؛ ولكن القول بأن الفطر أفضل قول قوي جدا ـ وهو الأقرب ـ لما رواه الإمام أحمد في مسنده ـ رحمه الله ـ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) وهذه رخصة من رخص الله ، وهو اختيار الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وسماحة العلامة عبدالعزيز ابن باز ـ رحمهم الله ـ ، وذهب الظاهرية إلى بطلان صيام من صام لظاهر الآية)فعدة من أيام أخر) وظاهر الآية يوافق مذهبهم ؛ ولكن لا معول عليه لما ثبت أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ صام في السفر وفعله حجة قاطعة ؛ وليس خاصا به فقد صام معه ابن رواحة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ كما سيأتي .
وقلنا بجواز الأمرين لما ثبت في الصحيين أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ صام في السفر فقد أخرج البخاري عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : ( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلا مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ رَوَاحَةَ ).
ويحرم الصيام على من خشي عليه الهلاك أو من شق عليه الصيام وفي مثل هذا ورد النص الصريح فقد أخرج مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ فَقَالَ : أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ـ وفي رواية أخرى ـ وَزَادَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ). ولحديث الترمذي) لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ) وهذا فيمن شق عليه .
قَالَ أَبُو عِيسَى : قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ) وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ حَتَّى رَأَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ إِذَا صَامَ فِي السَّفَرِ وَاخْتَارَ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ وَهُوَ أَفْضَلُ وَإِنْ أَفْطَرَ فَحَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ . وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَقَوْلِهِ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ فَوَجْهُ هَذَا إِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ قَلْبُهُ قَبُولَ رُخْصَةِ اللَّهِ فَأَمَّا مَنْ رَأَى الْفِطْرَ مُبَاحًا وَصَامَ وَقَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ .
2. المريض : يجوز للمريض الفطر إن كان لا يستطيع الصيام وحصل له مشقة بالصيام ، أو أخبره طبيب عالم بالطب ولو غير مسلم ـ والطبيب المسلم الأمين أولى من غيره ـ أنه إن صام زاد عليه المرض أو يخشى عليه من الهلاك فلا يجوز له الصيام عند جمع من العلماء لما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى) أَنْ لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ ) وقال ـ صلى الله عليه و آله وسلم ـ) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) ولابد للمريض من قضاء الأيام التي فاتته إذا شفاه الله تعالى . وفي حكم المريض المرضع والحامل .
أما إن كان المريض ممن لا يرجى زوال مرضه فيطعم فقط عن كل يوم مسكيناً وكذا الشيخ والشيخة قال تعالى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[/url] أخرج البخاري عن ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أنه قال : ( لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) .
قال الشيخ العلامة عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ والمغمى عليه حكمه حكم المجنون والمعتوه فإن استرد وعيه لا قضاء عليه إلا إن كان الإغماء مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطا وإما إن طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإن رد الله عقله عليه يبتدئ العمل. قلت : هو كما قال الشيخ الإمام المغمى عليه حكمه حكم المعتوه فليس بمكلف والقول بقضاء اليومين والثلاثة قول لطيف وإلا لو قيل لا قضاء عليه لأنه حال التكليف لم يكن مخاطبا قول قوي جدا . ولعله من مقتضى النظر أن من أجريت له عملية جراحية وخدر لساعات طويلة جدا أو وقع تحت تأثير المخدر لأيام أن حكمه حكم المغمى عليه ، وهذا بخلاف السكران أو من استعمل المخدرات فهو مخاطب بالشرع.
ولا يجوز للمكلف أن يفطر لكونه عاملا لكن إن لحق به مشقة عظيمة اضطرته إلى الإفطار في أثناء النهار فإنه يفطر بما يدفع المشقة ثم يمسك إلى الغروب ؛ ويقضي ذلك اليوم الذي أفطره .
وقال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ : أما أصحاب الأعمال الشاقة فإنهم داخلون ضمن المكلفين ، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين فيجب عليهم تبيت نية صوم رمضان بأن يصبحوا صائمين ومن اضطر منهم للفطر أثناء النهار فيجوز له أن يفطر بما يدفع اضطراره، ومن لم يحصل له الضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام هذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ..
وهنا فائدة لطيفة وهي قول الشيخ أنه لابد من تبييت النية ولو كان يغلب على ظنه أن العمل مرهق جدا فقد ييسر الله له إتمام ذلك اليوم .
ولا يجوز تقديم الإطعام في شعبان مثلا لأن الشهر لم يدخل بعد ، ولكن يجوز في أول رمضان لأن الشهر إذا دخل وجب على المسلم صيامه كله وصار في ذمته ـ ما دام أنه مستطيع ـ فجاز له تقديم الإطعام بخلاف من أطعم في شعبان فإن الشهر لم يدخل في الذمه والأولى أن يطعم كل يوم بيومه أو يؤخره كله إلى آخر رمضان كما فعل أنس فعَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى كَانَ لا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي.
ويطعم عن كل يوم مسكينا وهي وجبة مشبعة إن كان مطبوخا أو نصف صاع من أرز)1,5 كجم ) مع شيء من الإدام على أن يكون المسكين مسلماً . ويجوز أن يطعم نفس المسكين عن كل أيامه . على أن لا يكون ممن تلزمه نفقتهم كالخدم والعمال ونحوهم فضلا عن بعض من يعلوهم من أهله وأرحامه.
وأما من أفطر من غير عذر فقد أتى كبيرة من كبائر الأثم والعدوان ، وانتهك حرمة من حرمات الله جل وعلا وتقدس . فيجب عليه التوبة أولا ثم القضاء . ولكن شتان بين من صام رمضان ومن أفطر من غير عذر ثم قضى
أخرج الدارمي عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَّهَا اللَّهُ لَهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ)
ويجب الفطر على الحائض والنفساء وكذا من تحتم عليه إنقاذ معصوم من الموت ولم يستطع إلا بالفطر فيجب عليه الفطر لإنقاذ المعصوم لأن إنقاذ معصوم من الموت أولى من صيام يوم . ومثاله من تبرع بدمٍ لمن خشي عليه من الموت وقيل له لابد من أن تأكل قبل التبرع فيفعل ولا إثم عليه . وعليهم جميعا القضاء فقط
ويستحب لكل من أفطر ويقدر على القضاء ؛ سرعة القضاء ، و التتابع فيه من باب إبراء الذمة وذلك قبل صيام الستة من شوال ، فإن كان ما أفطره كثيرا كالنفساء مثلا جاز له صيام الستة من شوال قبل القضاء لعدم وجود دليل صريح يمنع ولقول عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ) كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلا فِي شَعْبَانَ . قَالَ : يَحْيَى الشُّغْلُ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ويبعد أن مثل أم المؤمنين تترك مثل هذا الأجر العظيم والذي يحرص عليه عوام المسلمين في زماننا فكيف بخير القرون ؟؟ .
وكذا من لم يتعمد ترك شيء من صيام رمضان فهو كمن صامه فينطبق عليه حديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ).
فإن أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر فله حكمان : الأول أخره لعذر فعليه القضاء فقط ، والثاني أخره بغير عذر فعليه القضاء مع التوبة من هذه المعصية فقط.
ومن مات وعليه صيام انقسم لعدة أقسام
1. دخل عليه رمضان وهو مريض مرضا يرجى زواله ثم مات وهو لم يشف بعد فلا شيء عليه ، لأنه صار كالذي مات قبل أن يدركه رمضان . وقال به الإمام عبد العزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ والعلامة محمد العثيمين.
2. دخل عليه رمضان وهو مريض مرضا يرجى زواله ثم مات بعدما شفي ولم يقض فهذا مفرط ، وعلى وليه أن يطعم عنه إن شاء .
3. دخل عليه رمضان وهو مريض مرضا لا يرجى زواله ثم مات فيطعم عنه فقط .
4. من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه لحديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) وقد خصه الإمام أحمد بالنذر فقط ، والأصل أنه لا يصوم أحد عن أحد وكذا كل العبادات إلا ما استثني كصيام النذر والحج . وكَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُسْأَلُ هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ؟؟ فَيَقُولُ : لا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ .
حكم من دخل رمضان وقد بقي عليه أيام من رمضان السابق
إن كان ترك القضاء تهاونا فعليه التوبة والقضاء ، أما من ترك القضاء لأسباب شرعية ككثرة السفر أو المرض أو مرضع مشتغلة بولدها أو حامل أو غير ذلك فعليه القضاء فقط.
من أحكام النية في الصيام
1. تُشترط النية في صوم الفرض وكذا كلّ صوم واجب كالقضاء والكفارة لحديث حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ)، ويجوز أن تكون النية في أي جزء من الليل ولو قبل الفجر بلحظة . والنية عزم القلب على الصيام من الغد ، والتلفظ بها بدعة وكل من علم أن غدا من رمضان وهو يريد صومه فقد نوى.
2. من نوى الإفطار أثناء النهار ولم يُفطر فقال بعض أهل العلم أن صيامه لم يفسد وهو بمثابة من أراد الكلام في الصلاة ولم يتكلم . وذهب آخرون من أهل العلم ـ وهو الصحيح ـ إلى أنه يُفطر بمجرد قطع نيته ، فالواجب عليه أن يقضي ؛ وقد يفرق بين من نوى القطع ثم تاب من وقته فهو متردد ؛ وبين من نوى القطع ثم لم يجد ما يفطر عليه ؛ فهو مفطر بلا ريب لأنه عازم.
3. أما الردّة فإنها تُبطل النية بلا خلاف ، كمن سب ربه جل وعلا أو نبيه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ أو دينه أو قال عن نفسه أنه نصراني أو يهودي أو أنه كافر بدين الله أو سجد لغير الله أو فعل أي فعل يستوجب الكفر الأكبر ـ والعياذ بالله ـ . قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ : لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم ،أنه يفسد صومه ،وعليه قضاء ذلك اليوم ،إذا عاد إلى الإسلام . سواء أسلم في أثناء اليوم ،أو بعد انقضائه ،وسواء كانت ردته باعتقاده ما يكفر به ،أو شكه فيما يكفر بالشك فيه ،أو بالنطق بكلمة الكفر ،مستهزئا أو غير مستهزئ ،قال الله تعالى : وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}[/url]. وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية ،فأبطلتها الردة ،كالصلاة والحج ،ولأنه عبادة محضة ،فنافاها الكفر ،كالصلاة ).
4. صائم رمضان يحتاج إلى تجديد النية في كلّ ليلة من ليالي رمضان ويكفي أن يخطر بقلبه أنه من الغد صائم وهذا هو الأصل في كل مسلم .
ويظهر أثر الخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة فيمن نام من قبل المغرب واستفاق بعد الفجر فالراجح أن يومه الذي استفاق فيه لا يصح صيامه منه لعدم النية .
5. النفل المطلق لا تُشترط له النية من الليل لحديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ :قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ : ( يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ) قَالَتْ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ . قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَتْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ قَالَتْ : فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا قَالَ : مَا هُوَ قُلْتُ حَيْسٌ قَالَ هَاتِيهِ فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ : قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا)
وأما النفل المعيّن كعرفة وعاشوراء فالأحوط أن ينوي له من الليل ، ومذهب شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن من صام صيام تطوع معين كعرفة وهو لم ينو من الليل أنه لا يصح منه صيام عرفة ويكون له كصيام أي يوم آخر ؛ لأنه لم ينو وإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .
6. فإن كان من الغد يوم الشك ونام قبل أن يتبين أنه من الغد رمضان أم لا علّق النية إن كان من رمضان فهو يومه لأن هذا وسعه و ) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) ولأنه جازم على الصيام ناو له ولكنه شاك في دخول الشهر فيكون ناويا على الصحيح .
7.من شرع في صوم واجب ـ كالقضاء والنذر والكفارة ـ فلا بدّ أن يتمّه ، ولا يجوز أن يُفطر فيه بغير عذر . وأما صوم النافلة فإن الصائم أمير نفسه ويجوز له قطع صيامه ولو بغير عذر لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ : ( الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ ) قال أبو عيسى الترمذي : وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الصَّائِمَ الْمُتَطَوِّعَ إِذَا أَفْطَرَ فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلا أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ وَالشَّافِعِيِّ . وبلا ريب أن الأفضل للصائم المتطوع أن يُتمّ صومه ما لم توجد مصلحة شرعية راجحة في قطعه .لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)
ولكن هل يُثاب من أفطر بغير عذر على ما مضى من صومه ؟ قال بعض أهل العلم بأنه لا يُثاب البتة . وقال غيرهم أنه إذا أفطر لمصلحة شرعية معتبرة فله أجر على فطره لا على صيامه ؛ كمن أفطر لمؤانسة ضيف أو بر بأم ونحو ذلك . ولعل الأقرب أنه له الأجر على ما فات وكذا الأجر على إفطاره للمصلحة إن كان ثمة مصلحة .
8. من نوى الصيام أثناء النهار هل يكتب له الأجر من حيث نوى أو من أول النهار ؟
ذهب جمع من العلماء أن الأجر من حيث نوى لعموم قوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ) إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وهو مذهب الحنابلة وهو الأقرب للحديث السابق ولأنه قبل النية لم يكن صائما . وذهبت طائفة أخرى إلى أن الأجر يكتب له من أول اليوم لأن الصيام عمل واحد فإن صححنا صيامه من نصف اليوم كان له الأجر من أول اليوم . وهذا قول الجد ابن تيمية ـ رحمه الله ـ .
9. من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر فعليه أن يمسك بقية يومه وعليه القضاء عند جمهور العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ) وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم ـ رحمهما الله ـ أن صيامه صحيح إذا أمسك فور معرفته بدخول الشهر. لأمور منها:-
* أولا : أن النية تتبع العلم وهو لم يعلم إلا في النهار .
* ثانيا: أن صيام عاشوراء في أول الأمر كان واجبا ومع هذا لم يأمر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ أحدا بالقضاء أخرج البخاري عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ) أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ) قال الشيخ محمد الصالح العثيمين : ولا شك أن تعليله قوي ـ رحمه الله ـ وله حظ قوي من النظر ، وكون الإنسان يقضي يوما ويبرئ ذمته عن يقين خير له . قلت : وكلام شيخ الإسلام متوجه وهو الأقرب للصواب لما ذكره الشيخ ـ رحمه الله ـ من الأدلة .
يتبع
اسم الموضوع : أحكام الصّوْم~ موضوع شامل
|
المصدر : • رمضان شهر الخير ∫