0


استرجاع كلمة المرور طلب كود تفعيل العضوية تفعيل العضوية
العودة   منتدى افريقيا سات > >
التسجيل التعليمات التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة

• المنتدى الإسلامي ∫ كلمات عطره بذكر الله ع لي نهج السنه و الجماعه ..

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 12-10-2017, 04:44 PM   #21


الصورة الرمزية المسلاتي
المسلاتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1268
 تاريخ التسجيل :  Aug 2012
 أخر زيارة : 20-11-2022 (02:01 AM)
 المشاركات : 5,077 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم

عنوان الخطبة قنوات السحر والشعوذة

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.


السحر وحقيقة تأثيره:

عباد الله..

يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم تنزيله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102].

ذكر ربنا تعالى في هذه الآية أن النتائج ليست على هوى السحرة يفعلون ما يشاءون، ويضرون عندما يشاءون، ومن يشاءون، وكيف يشاءون، ووقت ما يشاءون، بل قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} هذا السحر الذي منه ما هو عزائم ورقى يعملها السحرة، هذا السحر الذي منه ما هو عقد يقومون بعقدها لها تأثير حقيقي، ولكن هذا التأثير لا يحدث إلا بإذن الله، وهذا يقوم على صلة بين الساحر وبين الشيطان، هذا الشيطان الذي يتوكل بالسحر وينفذه، ويقوم على الطلاسم، والأسماء الشيطانية، فيتعاقد شياطين الإنس مع شياطين الجن بأمور لها حقيقة تؤثر ?ي بدن المسحور وقلبه وعقله.

ولا ينكر أن من السحر ما يمرض، ومنه ما ي***، ومنه ما يمنع عن وطء الزوجة، ومنه ما يفرق بين الأحبة أو يجمع بين المتفرقين، وهذا ما عبر عنه العلماء بقولهم: الصرف والعطف، فيصرف عمن يحبه، ويعطف على من لا يطيقه.

والسحرة دائمًا معاول هدم في المجتمع، يهدمون عقائد الناس أولاً، وكم دمروا من البيوت، وشتتوا من الأسر، ونهبوا من الأموال، ولقد صاروا مقصدًا للجبناء، وهذا الساحر لا يتم له السحر إلا إذا تزلف إلى الشياطين بالشركِ؛ ولذلك إذا كان السحر من نوع الأدوية فهو يختلف عما فيه استعمال للشياطين، إذ أن استعمال الشياطين أشد وأنكى من الأدوية المؤثرة، إنه يجلبُ النار، وغضب الجبار.

خطر السحرة وانتشار شرهم على مستوى الفضائيات.

وقد انتشر السحرة في المجتمعات كثيرًا وراجت بضاعتهم، وهذا بسبب واحد ألا وهو: إهمال الناس لأمور التوحيد، وعدم صيانة التوحيد، فإن أمر التوحيد يقوم على اللجوء إلى الله، وعلى تحريم السحر، وتحريم إتيان السحرة، فكم يأتيهم اليوم من الناس، وربما يتصلون بهم إذا لم يقدروا على إتيانهم، وصار هؤلاء يتصلون من الخارج على أرقام الناس ويقولون: رأيناك ورأينا اسمك في عالم الجن والجان ونحو ذلك، وهذا يخاف المسكين ويستدرجونه لدفع الأموال، ويعدونه: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء:120].

ولما جاء عصر الفضائيات أَمِرَ أمرهم، وتعاظم خطرهم، وتطاير شررهم، واستفحل شرهم، فكم من بيوت قد هدمت وكم وقع من الناس في حبائلهم؛ ولذلك فهم فساد على الأمة، وفساد على الناس.

ومن دجلهم أنهم ربما ظهروا بمظهر المصلحين، وربما يقول: الساحر يضر وأنا أنفع، الساحر يفسد وأنا أصلح.. ونحو ذلك.

ولذلك عندما قام سوق الفضائيات الذي دخل معه كل شر على الأمة -وكان للفضائيات مؤسسات تقوم على نشر الفساد وانحلال الأخلاق، ومنها ما يقوم على تمجيد الغرب وقوته، والتشبه به، والدعوة إلى الارتماء في أحضانه، والهيمنة الغربية التي تعرض على عقول المراهقين صباح مساء، ومن هذه القنوات قنوات الأغاني التي تخدر الناس بالألحان، وتنشر الفساد عبر الكلمات، وأنواع المصورات التي تكون أثناء عرض الأغنية- ثم جاءت قنوات الدجل.. جاءت قنوات الشعوذة، جاءت قنوات السحر لكي لا يبقى كفر في الأرض إلا ويعرض عبر هذه القنوات، التي تدخل البيوت، والتي يجتمع حولها الناس من مشاهد ومتفرج، ما بين مصدق ومكذب ومتشكك، ما بين من يريد التجربة وما بين من يعرف الحقيقة، ولكن كثيرًا من الناس يجهلون ما انطوت عليه من أنواع الإلحاد والكفر والزندقة والانحلال، وما ينشر عبرها مما يصادم التوحيد الذي من أجله قامت السماوات والأرض، ولأجله خلق الله البشر، ولأجله انقسمت الخليقة إلى الأبرار والفجار، وحقت كلمة الله على العباد، لأجله جردت السيوف للجهاد، ولأجله قام النبي -صلى الله عليه وسلم- على قومه، وصار بينه وبينهم من المواجهات، كل ذلك ليقولوا لا إله إلا الله، ويلجؤوا إلى الله، ويستعينوا بالله، ويتوكلوا على الله، ولا يعبدوا غير الله، ولا يصرفوا نوعًا من العبادة لغير الله، لكي يعتقدوا أن الله هو الذي يضر وينفع، وليعتقدوا أنه لا يعلم الغيب إلا الله.

ولقد جاءت الآيات عظيمة في الدعوة إلى التوحيد "لا إله إلا الله" الذي هو دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولكن هل أبقت هذه الفضائيات من التوحيد شيئًا؟ هل أبقت هذه الفضائيات حماية للعقيدة.. بل أغارت عليها. وجاءت هذه المقابلات والهواتف المفتوحة للمشعوذين تنشر الشر والفساد...وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنكِ مريضة، وأنكَ لا تنجب، وأن حظك غير سعيد، وأن الأخبار كذا وكذا، وأن قدرها عنده نكد.

يتصل المساكين، والذين يئسوا من علاج دنيوي أو رقية شرعية بزعمهم، يتصل أهل المعاناة، يتصل الذين يعايشون أنواعًا من المصائب -وقد ابتلى الله تعالى من عباده من شاء ببلايا كثيرة- فبدلاً من أن يعودوا إليه، ويوحدوه، ويقبلوا عليه.. إذا بهم يرتمون في أحضان هذه الفضائيات، وفيها من الدجالين والمشعوذين والكهنة والسحرة الذين يتصدون بزعمهم لمكالمات الناس، يتصلون بهم والأرقام تعمل، والخطوط مشغولة لا تتوقف من جميع الأنحاء، هذا يدل على ماذا؟ خواء القلوب من أساس التوحيد الذي جعله الله سبحانه وتعالى قيامًا للناس،

خوض السحرة في الأمور الغيبية بتلبيس وخداع:

فيعرض هذا المدعي للغيب ما يعرض، ألم يقل ربنا وتعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]؟ ألم يقل ربنا وتعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [المؤمنون:92]؟ ألم يقل ربنا تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [الجن:27]؟

عباد الله:

إن قضية علم الغيب مما تفرد الله به، ولا يعلم البشر الغيب، بل هم يخرصون ويتوقعون ويستنتجون وللمستقبل يستقرئون ويقولون: التنبؤ بالمستقبل، واكتشاف المستقبل، وقراءة المستقبل.. ونحو ذلك، وهنالك أمور متوقعة مثلاً أنت إذا رأيت الغيمة في السماء توقعت نزول المطر، ثم قد ينزل وقد لا ينزل، وهنالك أمور مفاجئة لم يدر ?ي خلد إنسان أنها ستحصل وحصلت.

وهذه الأمور قد يقوم بها الخرَّاصون بناء على بعض المقدمات باستنتاج أشياء يمكن أن يستنتجها أي ذكي أو متفرس، فيظن العامة أنه يعلم الغيب، أو يكون المرء دائرًا بين احتمالين إما أن يقع كذا أو لا يقع، فيجزم هذا العراف أنه سيقع على أحد الاحتمالين، فإذا وقع الاحتمال قال الناس: من أين عرف هذا؟ فربما أفتتن بعض الجهلة به.

وبعضهم لهم اتصال بالشياطين الذين يسترقون الخبر من السماء، فيرجمهم الله بالشهب فيحترق من يحترق، وربما تصل الكلمة من السماء إلى الأرض، وربما لا تصل، وربما يصل جزء منها كما وصل إلى ابن صياد "الدخ" جزء من كلمة الدخان، وقد اختبره النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يدري ما خبأ له؟ فقال: الدخ، فقال: «اخسأ فلن تعدو قدرك[1]».

إنه عراف من العرافين، ودجال من الدجالين، لم يستطع الحصول إلا على نصف الكلمة، ثم إذا جاءت هذه الكلمة المسترقة -مما نجا به بعض هؤلاء المستمعين المسترقين للغيب إذا حازوها- فيخلطون معها مائة كذبة، ويتحدث الكاهن والعراف بكذا وكذا، ويخلط معه الكذب الكثير، فإذا حصل هذا الشيء الذي أخبر عنه واحد بالمائة قال الناس: حصل ما أخبر به، وينسون تسعة وتسعين كذبة قد خلطها معه.

صارت الفضائيات اليوم عبر إظهار المشعوذين طريقة سهلة لابتزاز السذج والجهلة والمساكين، وبعض الناس يتعلقون بقشة، يكون أحدهم مصابًا مبتلى واقعًا في مصيبةٍ، جرب علاجات وأطباء، وربما استخدم الرقية الشرعية أو لم يستخدمها، فإذا رأى هؤلاء قال: لأجرب حظي، أريد الخلاص، أريد النجاة، أريد الفكاك، أريد حل هذا الأمر، أريد أن تنتهي معاناتي، وأن تنتهي مأساتي.. فيتصل على هؤلاء.

من علامات السحرة والمشعوذين:

يسألونه عن اسمه وعن اسم أمه، وهذا ولا شك من علاماتهم، فإذا أردت معرفة علامات هؤلاء، فالدجال الكاهن الساحر المشعوذ من علاماته: أن يسأل عن اسم الأم.

ومن علاماتهم: الوصية باستعمال البخور.

ومن علامة الساحر: أن يأخذ أثرًا من أثر المريض المزعوم من ثوب أو شعر ونحوه.

ومن علاماتهم: طلب *** حيوان بصفة معينة.. ولا يذكر اسم الله عليه، وأن يلطخ بدمه أماكن الألم أو جدران البيت أو السيارة.. ونحو ذلك.

ومن علاماتهم: كتابة الطلاسم، ومنها مربعات بداخلها حروف وأرقام.

ومن علاماتهم: كلمات غير معروفة، أو فيها استغاثة بالشياطين: يا بدوح.. يا بدوح، ونحو ذلك من أسماء الشياطين.

وربما طلبوا من المصاب أن يعتزل الناس فترة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسمونها بالحجبة، أو ألا يمس الماء مدة معينة وربما تكون أربعين يومًا، أو يوصون بدفن أشياء في الأرض، أو الدخول في قذارة أو نجاسة، أو طلب كتابة آيات بدم الحيض والعياذ بالله، وربما يطلبون كتابتها بنجاسة أخرى.. ونحو ذلك، وهؤلاء لا يتورعون عن اقتراف الرذيلة واقتراف الفاحشة، وكم من النساء ذهبن إليهم فكانت النتيجة ضياع العرض وفقد الكرامة على يد هذا الساحر أو المشعوذ والكاهن، وهم يقولون للناس عبر الفضائيات: ابحثوا عنا وستجدوننا، من سأل عنا لن يخطئنا.. ونحو ذلك، لن نقول أرقام هواتفنا الشخصية، أو اتصل بعد البرنامج لإعطاء الرقم الخاص، وهم ينهبون الناس عبر الرقم العام والرقم الخاص.

حكم إتيان السحرة وقراءة الأبراج والتكهن بالمستقبل:

ألم يعلم هؤلاء الذين يتصلون ويسألون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة[2]»؟ أفيضحي الإنسان بدينه وإيمانه وتوحيده، وأجر صلاته، ويعرض عمله للحبوط، لأجل أن يتصل على هذا العراف؟! ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أتى كاهنًا أو عرافاً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد[3]»؟، ألم يقل عليه الصلاة والسلام محذرًا: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له[4]»؟ وهؤلاء يطلبون أسحارًا، وفك أسحارٍ، ويستعينون بفتاوى شاذة تجيز الذهاب إلى السحرة، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "في هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين وأمثالهم، وسؤالهم، وتصديقهم، والوعيد على ذلك، والواجب ممن له قدرة وسلطان إنكار إتيان هؤلاء، ومنع تعاطي هؤلاء، والإنكار عليهم، وعلى من يجيء إليهم، وعدم الاغترار بما يقولون".. فلا يجوز سؤالهم، لا يجوز حتى قراءة ما يكتبونه للتسلية، وكيف يتسلى المسلم بالحرام؟

لا يجوز قراءة الأبراج التي تدعي معرفة أيام السعد، وأيام النحس، والأشياء الممنوعة لمن ولد في البرج الفلاني والمسموحة؛ لأنها من ادعاء علم الغيب، وهي حرام، والتسلية بها حرام، قراءتها حرام، ونشرها حرام. وكذا اعتقاد تأثير النجوم والكواكب على حياة الناس.

إن هذا المنجم الذي يظهر ويسأل الناس عن أبراجهم وأمامه كرة الكريستال ويقول له: مد يدك، مد كفك، أرني كفك، وهذا المغفل يمد كفه في بيته وليس عنده كاميرا تنقل الصورة إلى هذا المشعوذ والعراف، مد كفك.. فيمد كفه ويكذب ويأتي بكلام، -والكلام في النهاية سيشبه بعضه بعضًا، ومن أين له أن يأتي بأجوبة مستقلة مختلفة لكل هؤلاء المتصلين؟- إن هذا كله من التلبيس على الناس وخداعهم.

وهكذا في قضية هل سيتزوج أو لا يتزوج، وهل سيكون الزواج سعيدًا أو لا يكون سعيدًا، وهل سيقع فراق، وهذه تخشى الطلاق، وأخرى ما عندها أولاد، وهذه تعيش في مشكلات عائلية.. ونحو ذلك، هل سيحصل على وظيفة، وأي الوظيفتين يقدم؟

وهذه البنت الخرساء هل ستنطق؟.. وهذه وهذه، ومن العجيب أنهم يسألون: هل قرأتم عليها القرآن؟ هل ذهبتم إلى راق؟ فإذا قالوا: نعم، قالوا: هذه هي المصيبة، هذه المشكلة، خطأ خطأ، رقيته خطأ، ونحو ذلك، إذاً صرف الناس عن القرآن هو ديدنهم وطريقتهم ووسيلتهم.

وبعض هؤلاء المحترفين للشعوذة والكهانة والعرافة والسحر في الفضائيات يقولون: لا يعلم الغيب إلا الله، نحن لا نعلم الغيب، ثم يرجمون بالغيب.. ويخبرون عن المستقبل، فيا أيها الكذاب الدجال تقول: لا يعلم الغيب إلا الله ثم تتكلم في المستقبل. وتحسين الأوضاع المالية والمعيشية والحظ وجلب السعادة وفك السحر، وفيك عين، وفيك جن، وفيك صرع، وفيك سحر، وسنقوم بفكه، وأعطنا الفرصة، وانتظر كذا يوم، سيزداد تعبك ثم ينحسر.. ونحو ذلك. وتراهم يتصيدون الأغنياء، ويتيحون المجال للمتصلين من الدول الغنية والمجتمعات النفطية.. ونحو ذلك، ومع هذا تجد لهاثًا وراء أرقام هولاء الدجالين وسعي حثيث للتواصل معهم.

وقضية الجمال، ومدح المتصلة، وأن فيها كذا، وأشياء مزرية كما أخبرنا من عاين ذلك، كما كتب في التحقيقات عن هذه القنوات.

وكذلك فإن من هؤلاء من يقول زيادة في التلبيس: اقرأ آية كذا مائة مرة، ومن آية كذا إلى آية كذا مائتي مرة، وآية كذا أربعمائة مرة، ومئات من المرات، وكأن أمامه جدول كل ما اتصل واحد أعطاه من الآيات، والأعداد التي ما أنزل الله بها من سلطان، وقضية طلب قراءة الآيات ما هي إلا لخداع الناس، وذر الرماد في العيون.

سبحان الله! مدعو علم الغيب غزوا الفضائيات، صارت لهم برامج خاصة، طعنًا في التوحيد، واعتداء على خصوصيات رب العالمين.

{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14] لقد بقي الجن في عهد سليمان يعملون بما أمرهم به حتى بعد موته، لم يكونوا يعلمون موته، وكان قائمًامستندًا على عصا يظنونه يصلي، فلما أكلت دودة الأرض عصا سليمان التي كان متكئًا عليها خر ميتًا، وكان قد مات من قبل، فتبينت الجن عند ذلك أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

عباد الله:

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [لطور:41] يقولون: البرج الفلاني.. والنجم الفلاني.


خبرا عني المنجم أني *** كافر بالذي قضته الكواكب
عالمًا أنما يكون وما *** كان قضاء من المهيمن واجب
شاهد أن من تكهن *** أو نجم زار على المقادير كاذب

عباد الله

هذا المنجم أو الرمال الذي يخط في الرمل، أو الذي يضرب بالحصى والودع، أو الذي يقرأ الفنجان، أو يقرأ الكف، برامج لقراءة الكف، برامج لقراءة الفنجان، وهذا الحاسب أو الذي يدعي الكشف، وهذا العراف الذي يدعي علم الغيب، وهذا الذي يستخدم الشياطين أو يكذب من عنده، وهذا الذي يزجر طيرًا أو يضرب في الأرض، وهذا الذي يستقسم بالأزلام، أو يقرأ أباجاد أبجد هوز؛ للاستدلال بها على الغيب، سُئل شيخ الإسلام -رحمه الله- عمن يعتقد أن الكواكب لها تأثير في الوجود، أو يقول إن له نجمًا في السماء يسعد بسعادته ويشقى بعكسه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان نجمه بالعقرب أو المريخ ونحو ذلك، فأجاب شيخ الإسلام بقوله: "الحمد لله النجوم من آيات الله الدالة عليه، المسبحة له، الساجدة له، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، بأمر الله جعل لها وظائف: هداية للمسافر في البر والبحر، ورجومًا للشياطين تسبح وتسجد، يقول: والمنجمون يدعون علم الغيب والخرافات والأكاذيب، خاطبتهم وبينت فساد صناعتهم، فقال رئيس منهم: إنا والله لنكذب مائة كذبة حتى نصدق في كلمة واحدة، واعتقاد المعتقد أن نجمًا من النجوم السبعة هو المتولي لسعده ونفسه اعتقاد فاسد، واعتقاد أن النجم يدبر، من اعتقد ذلك فهو كافر بالله، ثم إن الأوائل من هؤلاء المنجمين المشركين الصابئين عباد النجوم والكواكب الذي إذا ولد المولود أخذوا طالع المولود من النجم ومن الاسم، ويتكلمون في اختيارات السفر، ومتى يكون السفر فيه فلاح أو شقاء.

ولما أراد علي -رضي الله عنه- أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسافر فإن القمر في العقرب، يعني: في برج العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك، فقال له علي -رضي الله عنه-: بل أسافر ثقة بالله، وتوكلاً على الله، وتكذيبًا لك، وإرغامًَا لأنفك، فسافر علي -رضي الله عنه- بجيشه، فبورك له في ذلك السفر، ونصره الله على الخوارج، و***هم شر ***ة -رضي الله تعالى عنه-".

عباد الله:
إن استدراج المتصلين، وخداع الناس، والتلبيس عليهم بقراءة بعض الآيات، والسؤال عن الأسماء والأقارب، واستعمال القرين من الجن الذي يخبر عن أشياء، هو من حيل هؤلاء الدجالين، فينبغي معرفة حيلهم، والتحذير منهم، وأن نحذر أقاربنا وأصحابنا وعموم المسلمين من هذه الطوام العظيمة التي خرجت.

اللهم إنا نسألك أن تقينا الشر وأهله، والكفر وأهله، والسحر وأهله يا رب العالمين، اللهم اجعلنا لك موحدين، لك ذاكرين، لك شاكرين، عليك متوكلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن الله لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومصطفاه وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، كما صليت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الواجب الشرعي حيال السحرة وأفعالهم:

عباد الله:

لا يجوز المشاهدة ولا السؤال ولا التصديق لهولاء المشعوذين والعرافين، ولا التجربة بحجة: لعلهم يفعلون لي شيئًا، ومنهم من يقول: أنا أعرف أنهم دجالون ولكن لعلهم يفيدون، فكيف يلتمس الشفاء من أصحاب العطب؟

إن كشف حيل هؤلاء واجب شرعي، وإن الاحتساب في بيان باطلهم واجب لا بد منه دفاعًا عن العقيدة؛ دفاعًا عن التوحيد؛ دفاعًا عن الإسلام، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن حلوان الكاهن، نهى عن إيتاء الكاهن مالاً -وهو الأجرة التي تدفع إلى هؤلاء- وبين أنها حرام بنص الحديث، فكيف يتصل هؤلاء برقم سبعمائة أو غيره من الأرقام؛ لكي تؤخذ أجرة الكاهن، وتستقطع من قيمة المكالمة، أليست قيمة المكالمة من حلوان الكاهن الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أليس في ذلك دعم وتشجيع لهؤلاء؟ أليس الاتصال على هؤلاء من المشاركة في الإثم والعدوان؟

عباد الله:

مهما بلغت معاناة الإنسان من مرض مستعص، أو سحر مؤلم، أو عين مفسدة.. ونحو ذلك من أنواع الشقاء النفسي أو الخلافات الأسرية والاجتماعية أو الأمراض النفسية فمن الذي يلجأ إليه؟ أليس اللجوء إلى الله؟ أليس ربنا سبحانه هو القادر على الشفاء؟ ألا يجب علينا أن نحقق التوحيد: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [الزمر:22]؟

ألا يجب علينا الإيمان والاعتصام بالله لأجل الحياة الطيبة، إذا عملنا صالحًاأيضًا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]؟ أليس المضطر يجيب الله دعوته؟ فأين دعاء المضطرين؟ أين اعتقاد أن الله مع المؤمنين، وأنه يدافع عن الذين آمنوا، وأنه يكشف الضر؟ من الذي يكشف الضر؟ من الذي ينفع؟ من الذي بيده الأمر؟ من الذي يجير ولا يجار عليه؟ من الذي لا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا يعلمه؟ من هو الشافي؟ من هو الذي يذهب الأسقام؟ أليس من أسمائه تعالى الشافي؟ ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا شافي إلا أنت»[5]؟ من الذي قال: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد:22]؟ أين الإيمان بقضاء الله وقدره؟ أين الدعاء؟ أين الإلحاح؟ أين التضرع؟ ألم يدعنا الباري للتضرع: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [ الأنعام:43] أم قست القلوب، واتجهت إلى الذين ينهبون الجيوب، ويذهبون بالعقيدة والتوحيد بعيدًا عن علام الغيوب؟

بذل الأسباب الشرعية لدفع المصائب النازلة:

عباد الله

أين انتظار الفرج، وحسن الظن بالله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6]؟ أين الرضا بما قسم الله؟ أين اتخاذ الأسباب الشرعية لدفع المصائب النازلة؟ أين الرقية: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]؟ أليس هذا الكتاب العزيز شفاء؟ ألم يجعله الله سبحانه وتعالى رحمة للمؤمنين، وشفاء لما في الصدور، وشفاء لأمراض البدن -للأمراض النفسية والقلبية والجسدية والمستعصية والعادية-؟ أين احتساب الأجر فيما يحصل من المصيبة؟ أين إنزال هذه المصيبة؟ تُنِزلها لرب رحيم يعلم حاجتك فتدخل وتلجأ وتتذلل وتنكسر وتلح وترجو، أين الاستغفار؟ أين الصلاة؟ أين الصبر؟ {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة:45]، أين التوكل على الله؟ {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]؟ أين تفويض الأمور إلى الله؟ أين البراءة من الحول والقوة؟ أليست لدينا تحصينات شرعية تقي من السحر قبل وقوعه، تقي من شر الحاسد إذا حسد، تقي من شر النفاثات في العقد، تقي من شر الناس والوسواس الخناس؟ أين تقوى الله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]؟ أين بذل الصدقات؟ أين المحافظة على أذكار الصباح والمساء؟ أين إخراج ما يدخل الشيطان إلى البيت؟ أين استعمال ما ورد من العلاجات النبوية: «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»[6] ونحو ذلك مما ورد مما في العلاج؟ أين اللجوء إلى الله بالتعويذات الشرعية: «باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم»[7]، «أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق»[8]؟

أين الدعاء بالشفاء: «اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا[9]»؟ أين المعوذتان؟ فما تعوذ متعوذ بمثلهما قط، ألم يجعل الله من ماء زمزم بركة وشفاء؟

أيها المسلمون:

لا يصح لا للرجال ولا للنساء، لا للصغار ولا للكبار التعامل مع هؤلاء، ولا يجوز الذهاب إليهم ولا الاتصال بهم ولا فتح القنوات التي يظهرون عليها، هؤلاء الذين يدعون الأعمال الخارقة، هؤلاء الذين يطمئنون الناس أن عندهم الحل، هؤلاء الذين يطلبون كتابة الأحجبة، وهم في حقيقتهم كذابون دجالون مفترون أفاكون.

عباد الله:

يجب أن نحتسب لبيان الحق في هذه المسألة؛ لأننا لو فرطنا فيها والله لضاع من التوحيد شيء كثير، والكلمة الواحدة خطيرة: «إن العبد يتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم».

اللهم احفظنا بحفظك، اللهم ادرأ عنا الوباء والبلاء، اللهم اصرف عنا الشقاء، اللهم عافنا واعف عنا، عافنا في ديننا وأجسادنا وأولادنا وأموالنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تحفظنا من شر كل ذي شر، وأن تنعم علينا بالعافية، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين. اللهم اشف المرضى من المسلمين. اللهم إنا نسألك أن تذهب البلاء عمن ابتلوا يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الموحدين، اجعلنا بك موقنين، وعليك متوكلين، ولك ذاكرين شاكرين تائبين.

اللهم إنا نسألك الأمن في أوطاننا وبلاد المسلمين. اللهم إنا نسألك من خيرك وبركتك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إنا نسألك أن تغيث قلوبنا بالقرآن، وأن تحيي نفوسنا بذكرك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


منقول


 

رد مع اقتباس
قديم 12-10-2017, 06:51 PM   #22


الصورة الرمزية رجب المرغني
رجب المرغني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 37037
 تاريخ التسجيل :  Jul 2013
 أخر زيارة : 06-04-2023 (08:50 AM)
 المشاركات : 12,603 [ + ]
 التقييم :  10
 الدوله
Libya
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Tomato
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



بارك الله فيك
نسأل الله أن يقينا شرورهم وأن يجعل كيدهم في نحورهم


 

رد مع اقتباس
قديم 19-10-2017, 06:43 PM   #23


الصورة الرمزية المسلاتي
المسلاتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1268
 تاريخ التسجيل :  Aug 2012
 أخر زيارة : 20-11-2022 (02:01 AM)
 المشاركات : 5,077 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



امين
جزاكم الله خيرا


 

رد مع اقتباس
قديم 19-10-2017, 06:47 PM   #24


الصورة الرمزية المسلاتي
المسلاتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1268
 تاريخ التسجيل :  Aug 2012
 أخر زيارة : 20-11-2022 (02:01 AM)
 المشاركات : 5,077 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
خطبة الجمعة بعنوان فريضة الزكاة

الخطبة الاولى

الحمد لله الذي فرض الزكاة و أوجبها على من كان غنياً من عباده المسلمين و جعلها من فضله جزاءاً قليلاً و مبلغاً يسيراً على الموسرين وتطهيراً للأموال و رفقاً بالضعفاء و مواساة للفقراء و مساعدة للمساكين، فيا سعادة من أداها و يا شقاوة من منعها و ترك القيام بالواجب و المسنون. و أشهد أن لا إله إلا الله الناهي عن الإسراف و التبذير و أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله المحذر من البخل و التقتير، اللهم صلي و سلم على سيدنا محمد النبي البهي البشير النذير و على آله و صحبه عدد ما كان و ما يكون .
أما بعد:
فيا عباد الله أوصيكم و نفسي أولاً بتقوى الله تعالى و طاعته فاتقوا الله و راقبوه و امتثلوا أوامره ولا تعصوه و اعلموا أن الله تعالى شرع الزكاة في الأموال بعد فروض الأبدان و جعلها حقاً واجباً للفقراء في أموال الأغنياء حكمة ألف بها بين قلوبهم لتبعثها على التعاون في إدراك مطلوبهم و نيل محبوبهم. و الزكاة قنطرة الإسلام و طهارةُ للعبد من الآثام قرن الله سبحانه و تعالى فرضها بالصلاة و أفردها بالذكر عن سائر الخيرات تنبيهاً على أنها من أعظم القربات فقال تعالى مخبراً عن فضله بالرسل عليهم من الله الصلوات { و أوحينا إليهم فعل الخيرات و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} وروي عن رسول الله -  - أنه قال:" حصنو أموالكم بالزكاة وداوو مرضاكم بالصدقة واستدفعوا أنواع البلايا بالدعاء" و عنه عليه أفضل الصلاة و السلام قال:" ما نقص مال من صدقة و ما تواضع عبد إلا رفعه الله تعالى و ما عفا عبد عن أخيه مظلمة إلا زاده الله تعالى بها عزا" .
و اعلموا عباد الله أن الكيس من الناس من أطاع الله في سره و علانيته و قام بأوامر الله في سقمه بما قدر و في عاقبته. و انتهى عن ما نهى الله عنه من جميع معصيته و قنع من الدنيا بقوت حلاله إلى آخر مدته و قام في الخلق ناصحاً لهم ليسيروا بمثل سيرته و لم يلتفت إلى جمع المال و رفع البنيان لشغله بحلول منيته. فكم بانٍ للقصور و جامع للمال يتمنى بلوغ المراد فحال الحِمام دون أمنيته فسلِّم أمورك أيها العبد إلى الله تعالى و توكل عليه فإن لم يتهيأ لك الجمع و لم تصل إلى ما تريده من الطمع فاشكر الله تعالى اذا اختار لك ما هو أخف لك في الدنيا و الآخرة ففي الدنيا اذا كنت فقيراً كنت أقل الناس شغلاً و أحقهما ندماً و حزناً إذ صاحب المال كثير الإشتغال بالجمع أولاً و بالبذل آخراً و مسئول عن ما جمع يوم القيامة من أين جمعته و فيما أنفقته و ما بين ذلك من الحسنات و الحفظ للمال و الخوف و الشغل به في البر و البحر و ليس للجامع إلا القوت. و ان يسر الله لك جمع المال و لحِقتَ منه مرادك فلا تغفل عن شكر الله تعالى اذ أعطاك المال و أغناك عن الرجال و عافاك في الحال و جعل بعض الناس إليك محتاجين يسألونك القليل مما أعطاك الله تعالى و لفضلك راجين ففكر و انظر كيف لو أغناهم عنك و أحوجك اليهم أما كان عدلا منه تعالى .
فإذا عرفت هذا فالزم الشكر ليلا و نهارا لمن أعطاك و خف منه ان قصرت ذهاب ما خولك به و حباك و أدل بما أمرك به تاما ان لم تسمح نفسك بالمزيد فإنما أنت أمين مستخلف فيه فانفق منه ما دام في يدك قبل أن ينتقل إلى يد غيرك
أيها المؤمنون دعاكم الله إلى فعل الخيرات و عمل البر و الإحسان فما أجبتم مع المحسنين، أمركم بإخراج الزكاة التي فرضها عليكم في محكم القرآن فنسيتم و كنتم من الغافلين " و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين * و إنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ".
حذركم من التهاون فيها و البخل و الحرمان و خوفكم من الوعد و الوعيد و النار و الصراط و الحساب و الميزان، فما أجبتم و أبيتم و نسيتم قول الملك الدّيان " و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و أطيعوا الله و الرسول لعلكم ترحمون"
و يحكم جمعتم الأموال من الحرام و الحلال و منعتم منها حق مولاكم الكبير المتعال و ستتركونها تصرف في أودية الفسوق و الفساد و الضلال و ستندمون يوم لا ينفع ندم يوم يقال " هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" .
عباد الله كيف تمنعون الزكاة و هي أحد أركان الإسلام أم كيف تبخلون بها على الفقراء و المساكين و الضعفاء و الأيتام كيف تهملون في إخراجها و تمنعونها من مستحقيها و تنفقون أموالكم في الحرام إن كان هذا ديدنكم فقد أصبح الإسلام غريباً " إنا لله و إنا إليه راجعون" أما سمعتم قول نبيكم الكريم رسول الله -  - : " ما هلك مال في بر ولا بحر إلا كان سبب هلاكه منع الزكاة "." و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم... "
فمتى يحصل لكم الانتباه " إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون" نعم لو أخرجتم الزكاة لما وجدتم فقيراً يطوي الضلوع و من ألم الجوع يتألم، لو أخرجتم الزكاة ما رأيتم مسكيناً يشكو إلى الله ظلم الأغنياء و يتظلم، لو أخرجتم الزكاة ما رأيتم سائلاً يتكفف الناس راجياً عطف كريم يتكرم، لو أخرجتم الزكاة لحسن حالكم و كثر مالكم و لما كنتم من الذين نسو الله فأنساهم أنفسهم لو أديتم الزكاة لما رأيتم هذا الجفاف القاحل في البلاد، لو أخرجتم الزكاة لما رأيتم النخل و الزرع يموت يوماً بعد يوم، لو أخرجتم الزكاة لما حل عليكم غضب الجبار، لو أخرجتم الزكاة لما منع الله عنكم الأمطار؛ لكنكم جمعتم الأموال و كنزتم الذهب و نسيتم اللهب و ظلمتم الفقراء حقهم العظيم و منعتم الزكاة . و اعلموا أن الله قد توعد مانعي الزكاة بأصناف كثيرة من العذاب؛ يقول الحق تبارك و تعالى { ... و الذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم* يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
قال بعض العلماء إنما سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى و سميت الفضة فضة لأنها تنفض أي تتفرق و لا تبقى. و قال عليه السلام " ما من صاحب ذهب ولا ورق فلا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته و جنباه و ظهره حتى يقضي الله بين الخلائق في يوم كان مقداره خمسين ألف عام و ما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر أوقر ما كانت تسير عليه فتطؤه بأظلافها و تنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضت عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضي الله بين الخلائق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون". و عن إبن عباس أن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال:"لا صلاة لمانع الزكاة" قالها ثلاثا، و عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – " ما من عبد يكون له مال فيمنعه من حقه و يضعه في غير حقه إلا مثل الله له شجاع أقرع منتن الريح لا يمر بأحد إلا استعاذ منه حتى يدنو من صاحبه، فيقول له: أعوذ بالله منك ، فيقول: لم تستعذ مني و أنا مالك الذي كنت تبخل عليه في الدنيا فيطوّق في عنقه حتى يدخله الله جهنم" و تصديق ذلك في كتاب الله العزيز قوله تعالى:{ سيطوقون ما بخلو به يوم القيامة}. و يقال من منع خمساً منع الله عنه خمسا : من منع الزكاة منع الله عنه حفظ المال و من منع الصدقة منع الله عنه العافية و من منع العُشر منع الله منه بركة أرضه و من منع الدعاء منع الله منه الإجابه و من تهاون بالصلاة منع الله منه كلمة التوحيد عند الموت.
فاتقوا الله أيها المؤمنين ما استعطتم و توبوا إلى الله جميعا و أنفقوا من طيبات ما كسبتم و اسمعوا و أطيعوا و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة كما أمرتم، { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون و اللذين هم عن اللغو معرضون و اللذين هم للزكاة فاعلون}. و حاسبوا أنفسكم قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار يوم تعظم الأهوال و تظهر الأحوال بين يدي العزيز الجبار يوم ينظر المرء ما قدمت يداه و يستوي العبيد و الأحرار { ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون}.
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم و ادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم .


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد :
أيها المسلمون : إن فرض الزكاة أكيد ووعيدً تاركها شديد و مانعها عند الله مهين و إنها مال قليل يًعطى لها أجر جزيل و يُرفع بها عذابٌُ وبيل مهين ألا و إن الله في غنىً عنها و ليس في حاجة إليها و إنما شُرعت تطهيراً لنفوس المنفقين فرَضها حفظاً للبلاد و صوناً للعباد من شر أهل الفساد شرعها لأنها السبب الأعلى لزيادة الأموال و تطهيرها و حفظها من ضياعها و صرفها في طُرق الضلال و تكفيرها أوزار المذنبين و أنها فرض من أنكره فقد كفر و من أقر به و منعه فقد فسق و فجر و كان على لسان رسول الله من الملعونين فو الله ما نزلت آفة سماوية و لا ظهرت متالِف برّيَّة و لا بحرية إلا بحبس الزكاة عن المستحقين فحصنو أموالكم بها فإنها نعم الحصن الأعظم و لا تضيعوا حق الله و اعملوا بكتابه وسنة رسوله الأكرم و اعلموا أنكم أيها الأغنياء و كلاء الله في إعطاء عباده السائلين فلا تبخلوا بمال الله الذي آتاكم و اشكروه بالإعطاء يزدكم فيما أولاكم و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ولا يخدعنكم الشيطان بمخافة الفقر فإنكم لم تنالوا المال إلا بفضل من له الأمر، ذلكم الله رب العالمين . " يا مانع الزكاة " هل أنت مؤمن حقيقة بقول الله تعالى :{ و ما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه و هو خير الرازقين } و هل أنت مصدق بقول ربك في الحديث القدسي : ( يا عبدي أنفق أُنفِق عليك) يقول نبيك الكريم – صلى الله عليه و سلم - :" ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا مَلَكان فيقول أحدهما : أللهم أعط منفقاً خلفا، و يقول آخر أعط ممسكاً تلفا "، تالله إنها لخيبةٌ قوية . تجمعون الأموال لغيركم يتمتع بها و تعذبون في النار بسببها. يا عجباً تطيعون الشيطان و تُغضبون الدّيّان :{ الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء و الله يعدكم مغفرةً منه و فضلاً و الله واسع عليم}
فحاسبوا أنفسكم عليها قبل أن يأتي يوم يشتدُّ فيه غضب الجبار و تعظمُ الحسرات و تتزايد الزفرات و لا تنفع الأنصار و يجلُّ الهول و يُلجِمُ العرق بالمجرمين يوم تنادي جهنم : أين تاركو الصلاة ؟ أين مانعو الزكاة؟ أين من أعرض حتى أتاه اليقين ؟ يوم يقف الظالم و المظلوم بين يديه و الأمر كله راجع إليه و هو أرحم الراحمين فاتقوا الله ما استطعتم و اسمعوا و أطيعوا و أنفقوا كما أمرتم : { و ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه و هو خير الرازقين }،{ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مائةُ حبة} و في الحديث : " و يل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة . يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم فيقول الله عز و جل و عزتي و جلالي لأُدنينكم و لأُبعدنهم "
هذا و صلوا و سلموا على إمام المرسلين و قائد الغر المحجلين فقد أمركم رب العالمين في محكم التنزيل حيث قال عز قائلاً عليما : { إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنو صلوا عليه و سلموا تسليما} اللهم صلّ على سيدنا محمد و على آل سيدنا محمد و بارك على سيدنا إبراهيم و على آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد و ارض اللهم عن خلفائه الراشدين و عن أزواجه أمهات المؤمنين و عن سائر الصحابة أجمعين و عن المؤمنين و المؤمنات إلى يوم الدين و عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين و انصرهم على عدوك و عدوهم يا رب العالمين . اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما و اجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما و لا تدع فينا و لا معنا شقياً و لا محروما . اللهم إنا نسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى . اللهم إنا نسألك أن ترزق كلاً منا لساناً صادقاً ذاكرا و قلباً خاشعاً منيبا و عملاً صالحاً زاكيا و علماً نافعاً رافعا و إيماناً ثابتاً راسخا و يقينا صادقاً خالصا و رزقاً حلالاً طيباً واسعا يا ذا الجلال و الإكرام. اللهم أعز الإسلام و المسلمين ووحد اللهم صفوفهم و أيد راية المؤمنين و اكسر شوكة أعدائهم و اكتب السلام و الأمن للعالم الإسلامي في كل ربوعه و اجعل العزة و الرفعة للإسلام و جموعه . اللهم ربنا إسقنا من فيضك المدرار و اجعلنا من الذاكرين لك في الليل و النهار المستغفرين لك بالعشي و الأسحار. اللهم أنزل علينا الغيث و لا تجعلنا من القانطين (ثلاث) اللهم أغثنا غيثاً مغيثا غدقاً طبقا نافعاً غير ضار تنبت به الزرع و تدر به الضرع و تحي به الأرض الموات حتى لا يدع وادياً إلا أساله و لا مصراً للمسلمين إلا أعشبه . ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب الله . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب . ربنا ظلمنا نفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين . اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء .
عباد الله : { إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون}.


منقول


 

رد مع اقتباس
قديم 19-10-2017, 07:03 PM   #25


الصورة الرمزية رجب المرغني
رجب المرغني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 37037
 تاريخ التسجيل :  Jul 2013
 أخر زيارة : 06-04-2023 (08:50 AM)
 المشاركات : 12,603 [ + ]
 التقييم :  10
 الدوله
Libya
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Tomato
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



بارك الله فيك وأحسن إليك


 

رد مع اقتباس
قديم 27-10-2017, 06:36 AM   #26


الصورة الرمزية المسلاتي
المسلاتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1268
 تاريخ التسجيل :  Aug 2012
 أخر زيارة : 20-11-2022 (02:01 AM)
 المشاركات : 5,077 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



بسم اللهِ الرَّحمنِ الرّحيمِ
السلام عليكم
خطبة الجمعة عنوانها بِرِّ الوالدين


الخطبة الأولى :
إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشْكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مثيلَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ لهُ، أنزلَ على قلبِ عبدِهِ وحبيبِهِ محمَّدٍ قرءانًا عربيًا مَنْ تَمَسَّكَ بِهَدْيِهِ فازَ فَوْزًا عظيمًا. فلقدْ قالَ ربُّنا: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾ [سورة الإسراء] وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنَا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وحبيبُهُ، بَلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ، فهوَ القائِلُ في حديثِهِ الشَّريفِ: «إنَّ مِنْ أبرّ البِرّ أنْ يَبَرَّ الرجلُ أهْلَ وِدّ أبِيهِ بعدَ أنْ يُوَلّيَ». فجزاكَ اللهُ عنَّا يا سيّدِي يا رسولَ اللهِ خيرًا، جزاكَ اللهُ عنَّا خَيْرَ ما جزَى نبِيًا منْ أنْبِيائِهِ، الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يا عَلَمَ الهُدى ويا بدرَ الدُّجَى يا مُحمَّدُ.
أمّا بعدُ عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيم فالتَّقوى هيَ سبيلُ النَّجاةِ يومَ الدّينِ، هيَ التي تَنْفَعُ يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بَنونَ إلا منْ أتَى اللهَ بقلبٍ سليمٍ. إخوةَ الإيمانِ، لقدْ جاءَ الأنبياءُ بالهدَى والبَيّناتِ ودَعوا إلى المكارِمِ والمعالي وأعمالِ الخيرِ، فمِنَ المكارمِ والمعالي التي جاءَ بها أنبياءُ اللهِ عزَّ وجلَّ برُّ الوالدينِ. يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [سورة الإسراء] .
أمَرَ اللهُ عبادَهُ أمْرًا مَقْطوعًا بِهِ بأنْ لا يَعْبُدوا إلا إيَّاهُ، وأمَرَ بالإحسانِ للوالدينِ، والإحسانُ هوَ البِرُّ والإكرامُ. قالَ ابنُ عباسٍ: «لا تَنْفُضْ ثَوْبَكَ فَيُصيبَهُما الغُبارُ».
وقدْ نهَى اللهُ تعالى في هذِهِ الآيةِ عنْ قولِ ﴿أُفٍّ﴾ للوالِدَيْنِ وهوَ صوتٌ يدُلُّ على التَّضَجُّرِ، فالعبْدُ مأمورٌ بأنْ يستعمِلَ معهُمَا لِينَ الخُلقِ حتَّى لا يقولَ لهما إذا أضجرَهُ شىءٌ منهُمَا كلمة «أُفٍ». ﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ أيْ ولا تنهاهُمَا عنْ شىءٍ أحبَّاهُ لا معصِيَةَ للهِ فيهِ، وقلْ لهُمَا قوْلا ليّنًا لطيفًا أحسنَ ما تَجِدُ كما يَقْتَضيهِ حُسْنُ الأَدَبِ.
واسمَعوا جيّدًا قولَ اللهِ تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ أيْ أَلِنْ لهمَا جانِبَكَ مُتَذَلّلاً لهُما مِنْ فَرْطِ رحمَتِكَ إيَّاهُما وعطْفِكَ عليهِمَا. كُنْ لَيِّنَ الجانِبِ مُتذلّلاً لوالدَيْكَ، وتذكَّرْ أنَّكَ بالأمسِ في صِغَرِكَ كنتَ أفقرَ خلْقِ اللهِ إليْهِمَا، مَنِ الذي أزالَ عنكَ النَّجاسَةَ في صِغَرِكَ ؟ منِ الذي سَهِرَ اللَّيالي لأجْلِ صِحَّتِكَ ؟ وإن بِرَّ الأمَّهاتِ أعظمُ ثَوابًا مِنْ بِرّ الآباءِ لِعَظيمِ فَضْلِ الأُمّ وما تَحَمَّلَتْهُ وقَدَّمَتْهُ لولدِهَا في سبيلِ تَرْبِيَتِهِ. رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمّا سأَلَهُ بعضُ الصحابةِ: «منْ أَحَقُّ الناسِ بِحُسْنِ صحابَتِي ؟ قالَ: أمُّكَ. قالَ: ثمَّ مَنْ ؟ قالَ: أمُّكَ. قالَ: ثمَّ مَنْ ؟ قالَ: أمُّكَ. قالَ: ثمَّ مَنْ ؟ قالَ: أبوكَ».
حضَّ الإسلامُ الولَدَ على طاعةِ والديه فيمَا لا معصيةَ فيهِ، وجعلَ اللهُ تعالى للمسلمِ الذي يُطيعُ والدَيْهِ فيما لا معصيةَ فيهِ أجْرًا عظيمًا في الآخرةِ، بلْ منَ الناسِ منْ أكْرَمَهُمُ اللهُ بأشياءَ في دنياهُمْ قبلَ ءاخِرَتِهِمْ بِسَبَبِ بِرّهِمْ لأُمّهِمْ كبلالٍ الخَوَّاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ الذي كانَ منَ الصالحينَ المشهورينَ قالَ: «كنتُ في تيهِ بني إسرائيلَ فوجدْتُ رجلاً يُماشِيني فأُلْهِمْتُ أنَّهُ الخَضِرُ (والخَضِرُ هوَ نبيٌّ على القوْلِ الرَّاجِحِ ولا زالَ حَيًا إلى الآنَ بِقُدْرَةِ اللهِ تَعَالى) قالَ بلالُ الخَوَّاص رَضِيَ اللهُ عنهُ: فسأَلْتُهُ عنْ مالِكِ بنِ أَنَسٍ فقالَ: هوَ إمامُ الأئِمَّةِ. ثمَّ سَأَلْتُهُ عَنِ الشَّافِعِيّ فقالَ: هوَ مِنَ الأوتادِ. ثمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ فقالَ: هوَ صدّيقٌ. ثمَّ قالَ لهُ: أسأَلُكَ بِحَقّ الحَقّ مَنْ أنتَ ؟ فقالَ: أنا الخَضِرُ. قالَ: فَقُلْتُ لهُ ما هيَ الوسيلةُ التي رَأَيْتُكَ بِها ؟ قالَ: بِرُّكَ بِأُمّكَ». أيِ الفضيلةُ التي جَعَلَتْكَ أَهْلاً لِرُؤْيَتِي هِيَ كَوْنُكَ بارًّا بِأُمّكَ.
اللهمَّ ارزُقْنَا حُسْنَ الاقْتِدَاءِ بالأنْبياءِ والأوْلياءِ والصَّالِحينَ .
هذا وأستغْفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولَكُمْ.


الخطبةُ الثانيةُ:
إنَّ الحَمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكرُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هاديَ له، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا محمّدِ ابنِ عبدِ اللهِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ ومنْ والاهُ.
أمّا بَعْدُ، عبادَ اللهِ، فإني أوصيكُم ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كتابِهِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾.
﴿قوا أنْفُسَكُم وأهليكم﴾ أيْ عَلّمُوا أَنْفُسَكُمْ وأهلِيكُمُ الخَيْرَ، تَعَلَّموا وعَلّمُوا أَهْلَكُمُ القَدْرَ الواجِبَ مِنْ عِلْمِ الدّينِ. وبعدَ الحديثِ عنْ بِرّ الوالدينِ والتحذيرِ منْ عقوقِ الوالدينِ نود أن نرشد الأم والأب إلى حسن التربية ومن ذلك أن ترسل ولدك إلى مجالس العلم الشرعي. ولا بُدَّ لنا أنْ نُنَبّهَكَ أيُّها الأبُ أنْ لا تَتَسَّرَعَ وتَضَعَ أولادَكَ عندَ أناسٍ لا يَتَّقونَ اللهَ ولا يخافونَ اللهَ ويُعَلّمونَ الأولادَ العقائِدَ الفاسِدَةَ والعياذُ باللهِ.
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ . اللّهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم، وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ . اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

المصدر موقع اسلام


 

رد مع اقتباس
قديم 27-10-2017, 09:26 AM   #27


الصورة الرمزية رجب المرغني
رجب المرغني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 37037
 تاريخ التسجيل :  Jul 2013
 أخر زيارة : 06-04-2023 (08:50 AM)
 المشاركات : 12,603 [ + ]
 التقييم :  10
 الدوله
Libya
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Tomato
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



بارك الله فيك
وفي موازين حسناتك


 

رد مع اقتباس
قديم 28-10-2017, 04:45 AM   #28


الصورة الرمزية المسلاتي
المسلاتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1268
 تاريخ التسجيل :  Aug 2012
 أخر زيارة : 20-11-2022 (02:01 AM)
 المشاركات : 5,077 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Kokas Valley مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
وفي موازين حسناتك
امين
جزاك لله خيرا ورحم الله والديك


 

رد مع اقتباس
قديم 16-11-2017, 11:51 PM   #29


الصورة الرمزية المسلاتي
المسلاتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1268
 تاريخ التسجيل :  Aug 2012
 أخر زيارة : 20-11-2022 (02:01 AM)
 المشاركات : 5,077 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات




بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم

الخطبة الاولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، جاء الإسلام بنشر الأخلاق والفضائل والشيم النبيلة بين الناس في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفيه: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"، وجاء الإسلام بحماية عرض المسلم، وأن ذلك أحد الضروريات الخمس التي جاءت بها الشريعة، وفي الحديث كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وجاء الإسلام بالنهي عن كل ما يخدش الحياء ويسيء إلى عرض المسلم؛ فأمر بغض البصر وحفظ الفرج: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)، وحرم الإسلام الفواحش من الزنا واللواط وغير ذلك: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا)، (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ).
أيها المسلم، ومما جد في العصر الحديث ما حصل من تطورات في وسائل الاتصال، وتقنية المعلومات الحديثة، مما يعرف بالإنترنت هذا الأمر الذي ورد، ودخل كل منزل شاء الإنسان أو أبى خطره كبير وأثره على الفرد والجماعة واضح المعالم، وهو ميدان فسيح لامتحان الإيمان والأخلاق والقلوب، أبواب الخير فيه مفتوحة وأساليب الشر وأساليبها كثيرة، بإمكان الإنسان فيه أن يكتب ما شاء، أو يسرح بصره بالنظر إلى ما يريد، أو يتكلم بلسانه بما شاء فلا رقيب ولا حسيب إذا لم يكن هناك إيمان يردع ويقي المسلم أن تزل قدمه في هذه الضلالات، لذا كان من المتحتم أن توضع الآداب التي ينبغي أن يتأدب بها من يتصفح تلك المواقع، وبيان الأخطار والأضرار المترتبة على الإخلال بهذه الآداب.
أيها المسلم، إنها وسائل جيء بها للانتفاع والاستعانة بها على النافع، لكن للأسف الشديد حولنا تلك المنافع، وسخرناها إلى الضرر المحض، والبلاء والفساد، إن هذا التصرف مرجعه تصرف البشر، وإلا فتلك الأجهزة قابلة للخير من استغلها، ووسيلة لهدم الأخلاق لمن ضيعها ولم يبالي؛ فمن تلكم الآداب أن يحسن المتصفح لهذه المواقع استعمالها؛ فيكون بحاجة إلى ما يستعمله ولا يفرط في الثقة بنفسه في تصفح تلك المواقع؛ فربما وقع في بلاء إذا عجز أن يتخلص من ذلك البلاء وبسبب يده وبصره وتصرفاته السيئة، إن الله حذرنا من مكائد عدو الله إبليس: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)؛ فهو متربص ببني آدم يحاول إيقاعه في الضلال ما وجد لذلك سبيلا؛ فليكن المسلم على حذر من تلاعب الشيطان به من خلال تصفحه لتلك المواقع الهابطة، التي لا خير فيها، ولا منفعة من خلالها.
أيها المسلم، لابد لك من وقت مخصص وهدف معين في تصفح تلك المواقع، وإلا فإذا ضيعت وقتك، وكنت على غير هدف فيما تريد؛ فلربما تقع في شراك الضلال والغواية من حيث لا تدري؛ فالوقت ثمين لا يضيع في هذه الترهات، ولا بد من هدف معين؛ فهذه الوسائل تحوي من أنواع الفنون والعلوم ما لا يخفى، ولكن من ضارب لخير، ومن وارد لسوء، إن النظر في عواقب الأمور ومآلاتها يجعل المسلم منضبط في تصرفاته؛ فكل أمر يرى أن عواقبه ونتائجه غير محمودة؛ فلا يليق به أن يدخل فيها ويتصفحها، إن لم يكن عنده إيمان وتصور وبصيرة فيما يشاهد.
أيها المسلم، إن كثير من تلك المواقع فيها شبهات، ومواقع فيها الشهوات، والدعوة إلى التجرد من القيم والأخلاق، وترويج الشبه الباطلة، والآراء الضالة؛ فكن على حذر في تعاملك، غض بصرك فإن إطلاقك البصر في كثير من المواقع قد يفسد قلبك وتتعلق بهذه الأمور ولا تستطيع الخلوص منها، راقب الله في كل أحوالك، إن من أعظم الأمور خطرا هذه الوسائل المفتوحة؛ لأن هذه مفتوحة للعالم كله؛ فهناك الخطر الكامل لا سيما وسائل اتصال والمحادثات من طريق الإنترنت أو ما يعرفه هؤلاء بالدردشة كما يقولون، هذه أمور جلبت المصائب العظيمة، والبلايا الكثيرة؛ فاتصال شاب بشابة، واتصال فتيات بالشباب أو عكسه، تحدث من الأمور والمفاسد ما الله به عليم، يتبادل الصور ومقاطع الفيديو وغيرها، والمحادثات الخاصة والعامة والمواعيد، وأمثال ذلك مما يملأ القلوب مرضا بالشهوات، والله يقول: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا)، إن كثيرا من هذه الاتصالات المشبوهة، التي ينفرد بها الشاب في غرف الاتصالات، ربما يقيم علاقة مع فتاة ما، يقيم هذه العلاقات من خلال هذا الجهاز، وربما حصل الاتصال شيئا فشيئا حتى يرتد عنه الإيمان ومرضا في القلب من حيث لا يشعر، ولربما استعملت هذه الصور من بعض ضعفاء النفوس للضغط بها على الفتيات المسلمات؛ فيهدد الفتاة بنشر صورها في الجهاز، أو بثها وإرسالها لأهلها؛ فلربما من قاد له التخلص من شره وبلاءه؛ فتقع الفاحشة والعياذ بالله هذه أمور لا بد من الانتباه؛ فإن الله أمر بغض البصر قبل أن يأمر بحفظ الفرج؛ لأن غض البصر يمنع ذلك، والله نهى المرأة عن الخضوع للرجل بالأقوال، التي ربما تسبب الفتنة فالحذر الحذر من هذه المصائب والبلايا.
أيها المسلم، احفظ نفسك وصن نفسك واحترم نساء المسلمين احترم حرمات المسلمين وعوراتهم فإنك إن دنست أعراض الآخرين؛ فربما تبتلى في نفسك بمرض في نفسك، بلاء في بدنك في مالك في أهلك بمرض وهموم وأحزان، تصاب بها جزاء لإفساد عورات المسلمين؛ فهؤلاء المتلاعبون بأخلاق المسلمين، بعقول الفتيات لا بد أن يصابوا في أنفسهم نتيجة لهذه الأعمال السيئة، التي ارتكبوها في حق الفتيات المسلمات، ثم هذه الفتاة التي خدشت حيائها، ودمرت عفافها، وقضيت على كيانها، وأفسدت عرضها ما النتيجة؟ النتيجة أنها تكون فتاة غير مرغوب فيها، وغير موثوق بها، ولربما زوجة؛ فأبانت عن علاقات الماضية؛ فصار سببا لفراق زوجها لها، ولربما فرقت بينها وبين زوجها نتيجة لهذه المواعيد المعسولة والأقوال الخداعة؛ فليتق المسلم ربه وليراقب الله في أحواله كلها؛ فكما تدين تدان.
أيها المسلم، هذه الأجهزة وضعت للانتفاع لا للضرر لراحتك وإعانتك على أمورك الخاصة والعامة، لكنها لم توضع لأجل فساد الأخلاق، وتدمير البيوت، وإفساد الفتيات والفتيان.
أيها المسلم، وقتك ثمين؛ فإياك أن تهدره في تلك الترهات، واتق الله فيما تنظر إليه، وفيما تقلبه من صفحات هذه المواقع؛ فإن فيها مواقع تنافي الأخلاق، ومواقع ضد العقيدة، ومواقع ضد الأمة المحمدية، ومواقع فيها من البلاء ما الله به عليم.
أيها المسلم، لقد وقع في شراك هذه المواقع فتيات من المسلمين وفتيان من المسلمين، ندموا ولا ينفع الندم، ندموا على ما حصل، وتبين لهم أخطائهم وأن بعض شباب الأمة ذئاب في صور رجال يخدوعون ويغررون ولا ينفعون ويقضون وطرهم بالحرام دون أن يكون هناك خوف من الله يردعهم عن باطلهم ويمنعهم من الاستمرار في جرائمهم لقد كتبت أبتليت بها هذه المصيبة وبهذا البلاء كتابة صورت فيها واقع هذا الاتصال وما حصل من هذه المواقع من تدمير للبيوت وإفساد للأخلاق وقضاء على الحياء والشيم والكرامة، تقول من بعض من ابتليت بهذا البلاء إنها أمضت مع زوجها سنين عديدة في الاطمئنان وتبادل الخير وسلامة وعفة حتى ابتليت بهذه المواقع بإشارة من صديقة أو نحو ذلك؛ فأقامت علاقة مع شاب خدعها وغرر بها وأفسدها عن زوجها ووعدها إن فارقت زوجها أن يكون هو الزوج لها؛ فسعت حتى فارقت زوجها بمكيدة من ذلك الخبيث؛ فلما أوقعها فيما أوقعها فيه، وواصل الأمر معها بالفاحشة؛ فارقها تتصل به مرارا ويقول أنا لا أثق بالساقطة ومن خانت مرة خانت المرار الكثيرة وأنا أعلم النساء الطيبات، وأن خطبتهم من طرق شرعية لا من تلكم الأجهزة هكذا يا أخي نتيجة هذه الأمور، فاتق الله أيها الشاب المسلم ولا تقم علاقة من خلال هذا المنتدى بما يضرك في دينك ويفسد أخلاقك.
وأنت أيها الفتاة المسلمة، اتق الله في نفسك وحصني نفسك بالبعد عن هذه الترهات مهما قال الشاب أو الشابات صديقة أو صديقات مهما بذلوا من تحسين من الجهود ليحسنوا بها صورة هذه المواقع التي أوقعت كثيرا من الناس فيما أوقعتهم فيه فليكن تقوى الله حاجزا لنا عن الخداع بهذه المواقع ولنراقب الله قبل كل شيء إن غض البصر وحفظ الفرج وصيانة العرض من أسباب سلامة العبد في دينه ودنياه أما هذه الصور المتبادلة من خلال هذا الجهاز والتي تنشر صورة الفتاة يراها الملايين من الناس؛ فهذا والله هو الضرر العظيم والبلاء الكبير حتى أن بعض أولئك انتزع الحياء من نفوسهم؛ فيمارسون الفاحشة من خلال هذا الجهاز المرئي، ويتبادلون الأمور الضارة، كل ذلك من قلة الحياء، وفي الحديث: "إنما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح؛ فاصنع ما شئت"؛ فمن لا حياء عنده يفعل ما يشاء، ويستحسن القبيح، ويمتد بالفساد نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق، والاستقامة عليه والثبات على هذا الدين، وأن يحفظ الله أعراض الجميع، ويصونها من كيد الكائدين وخبث الخبيثين الذين لا يبالون بما يوقعون فيه الشاب والشابة من أنواع الفساد والشرور فليتق المسلم ربه، ولتكن عندنا توعية إسلامية لأبنائنا وفتياتنا بالتحذير من هذه المواقع، والتحذير منها وتصوير مضارها وتشخيص أدوائها، عسى أن تنتفع الأمة، وعسى أن تهديها لطريق مستقيم، أسأل الله لنا ولكم الثبات على الحق والاستقامة عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، خير من هذه الترهات، وخير من هذه السيئات أن يستغل المسلم هذه الأجهزة بالدعوة إلى الله، ويتخذ له موقعا يكون هدفه الدعوة إلى الله، ونشر الفضائل، والتعريف في الإسلام وفضائله وخصائصه، ونشر الفضائل والدعوة إليها، والتحذير من الباطل بأسلوب حكيم، وبأسلوب حكيم يدل عن رحمة وعطف وإحسان هذه الأجهزة، الذي ينظر إليها الملايين في أقصى الدنيا شرقها وغربها؛ فحري بالمسلم العاقل أن يكون موقعه موقعا هادفا يدعو إلى الخير، وينشر الفضائل ويبث الرسائل النافعة، والنصائح المثمرة، والتوجيهات السليمة، دعوة إلى الله، دعوة إلى دينه، دعوة إلى توحيده وإخلاص الدين له، دعوة لأداء الفرائض والواجبات، دعوة للتحذير من الأخلاق والمنكرات، دعوة صادقة مأصلة بالدليل من الكتاب والسنة حتى يصل هذا الصوت إلى ملايين الناس فالمواقع الطيبة التي يقوم عليها الصادقون المخلصون هي المواقع النافعة التي تستغل هذه الأجهزة بتطورها وعظيم شأنها لنبلغ رسالة الله ولنبصر الأمة وندعوهم إلى الخير فحري بالمسلم أن يكون استغلاله لهذه التقنية الحديثة فيما ينفع وفيما يثمر وفيما يرسي الأخلاق والفضائل، وأما أن نكون فقط مهمتنا التصفح فيها بما يقال وما ينشر، من حق وباطل، وأكاذيب وافتراءات، وأخلاق تهدم وسيئات تنشر؛ فهذا أمر لا يليق بالمسلم فعله، وإنما اللائق به أن يكون داعيا إلى الله، داعيا إلى الفضائل والأخلاق الكريمة، محذرا من كل ما يفسد الأخلاق والكرامة، أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية.
واعلموا -رحمكم الله-، أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار.
وصلوا -رحمكم الله- على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم أصلح أأمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين
امور المسلمين لكل خير، اللهم وفقهم لكل خير، اللهم كن لهم عونا ونصيرا فيما أهمهم، اللهم أرهم الحق حقا وارزقهم إتباعه وأرهم الباطل باطلا وارزقه اجتنابه ودلهم على كل عمل تحبه وترضاه، وأعنهم إنك على كل شيء قدير واجعلهم أئمة هدى وقادة خير يا أرحم الراحمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


الشيخ عبد العزيز آل الشيخ


 

رد مع اقتباس
قديم 17-11-2017, 06:46 AM   #30


الصورة الرمزية رجب المرغني
رجب المرغني غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 37037
 تاريخ التسجيل :  Jul 2013
 أخر زيارة : 06-04-2023 (08:50 AM)
 المشاركات : 12,603 [ + ]
 التقييم :  10
 الدوله
Libya
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Tomato
افتراضي رد : خطب الجمعة والمناسبات



إنها وسائل جيء بها للانتفاع والاستعانة بها على النافع، لكن للأسف الشديد حولنا تلك المنافع، وسخرناها إلى الضرر المحض، والبلاء والفساد
................
بارك الله فيك
ونسأله سبحانه السلامة من كل إثم


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجمعة , خطة , والمناسبات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


RSS RSS 2.0 Feed XML MAP HTML

الساعة الآن 06:13 AM

converter url html by fahad7



Powered by vBulletin® Copyright ©2023, Trans. By Soft
Adsense Management by Losha
جميع الحقوق محفوظة ل منتدى افريقيا سات
This Forum used Arshfny Mod by islam servant